غيبوبة بقلم: مونيا بنيو منيرة من سلسلة ظلم سيلا

غيبوبة

غيبوبة
غيبوبة

غيبوبة

من سلسلة ظلم سيلا
الحلقة الثالثة
كان هيجان ليث غريبا جدا في تلك الليلة، وصراخه يشبه زئير الأسد في قفص مغلق تملكه طوفان وغليان، وفي تلك اللحظات توغل في أدغال الغابة التي تضج بأصوات مختلفة، الظلام دامس يشتت خطواته ليسقط ويتعثر؛ كلما توغل أكثر،
وبعد تعب وانهيار، أصبح يمشي بصعوبة في أغوار الغابة الكثيفة الأشجار، يتحسس الطريق على ضوء ساعة يده، ولوجود الأصوات المخيفة والظلام وخطورة المكان، لم يرفع إصبعه عن الزناد، وكأنه مستعد لقتل كل حيوانات الغابة، وكل ما يتحرك أمامه.
سار ليث وتوغل أكثر في عمق التلال المعتمة، وكأنه يقول لكل حيوانات الغابة:
– هيا، اخرجي لتلتهميني أيتها الوحوش، هيا، فإما أن أقتلكم وإما أن تقتلُوني.
ومن قلب الغابة المرعبة، ينبعث نور خافت في إحدى الزوايا وكأنه كوخ، وقف ليث يمسح عينيه من غرابة ما وجد في عمق هذه الأحراش المذهلة، والتي تضج بكل الأصوات المرعبة.
وقف مطولا وكأن كل الحيوانات تقترب منه، لم يردعه صوت أو يخيفه تقدم، زاد فضوله ليتقدم أكثر، إلى أن وقف مستغربا من هول الحيوانات المجتمعة على مد البصر، وكل منها يعوي وكأن به مرضا عضال
ازداد الموقف ذهولا ورعبا وتساؤلا إلى أن تقدم أكثر، لم يحاول أي حيوان مهما كانت قوته وشراسته من الهجوم عليه أو الحركة، إلى أن وصل إلى نافذة ذلك الكوخ المهترىء، ولاحظ جثة مطروحة في فراشها، وبقربها بعض الحيوانات تحاول تحريكها
تقدم ليث أكثر يحاول بضوء ساعة يده أن يبرز بعض ملامح الجثة؛ إنها الشابة سيلا!
لقد فهم من عيون الحيوانات استجداء نجدته، في أن يجد لها حلا لتستفيق، وكلما تقدم منها أكثر أطلق الجميع عواء وبكاء، لينبعث إلى أقصى الجبال، فنزع معطفه الجلدي وأمسك بندقيته، وتحسس نبضها الذي كان بطيئا جدا، فركض خارجا ليبحث عن الماء، وهو يتمتم قائلا:
– كيف لهذه الإنسانة أن تعيش هنا، وما حكايتها؟
كانت الحيوانات تتبع حركاته، وقد لاحظت خروجه وعودته، فبعد أن نثر قطرات من الماء على وجهها وشفتيها، بدأت تحرك أصابعها، خرج ليث راكضا إلى الجبال، حيث الأشجار باحثا عن شيء يؤكل، وبينما كان يتوغل أكثر في الغابة، وجد أشياء عديدة؛ مطبخا حجريا، وأغراضا متنوعة، راح يبحث عن أي طعام، إلى أن صادف أمامه أشجارا من أنواع الفاكهة المختلفة، فقطف القليل منها وأسرع إلى سيلا.
جلس يعصر بعض قطرات الفاكهة في فمها، وترقبها بقلق وحزن؛ خاصة وأنها شبه ميتة.
وصل اليأس بليث إلى أن حملها على كتفيه، وسار بها مسافات طويلة، وكل الحيوانات على مد البصر تسير وراءه، وهو يقترب من القرية، إلى أن وصل، وسارع بها إلى بيته، حاول إسعافها ببعض الإبر المنشطة والأمصال، ليساعدها في الاستيقاظ من غيبوبتها، ليتمكّن من إنقاذها دون أن يؤذيها، لكنه استغرب كثيرا من رتل الحيوانات الذي كان يحوم حول بيته، فأخرج بندقيته وأطلق بعض الرصاصات ليرعب الحيوانات وقد كاد يصيب بعضها، ثم نادى سيلا بأسماء مختلفة، مقتربا منها بخطوات حذرة، وقال:
– من تكوني، وما حكايتك، أيتها الشابة؟
لم يجد في القرية كلها من يجيب على تساؤلاته؛ لم تستفق بعد..
استغرب لغيبوبتها، وتساءل:
– إلى متى ستستمرين على هذا الحال؟
اقترب منها، أصبح يحدثها:
– في هروبك من الواقع ألف سؤال، وفي استيقاظك ألف سؤال آخر!
اقترب منها وإذ بدمعها ينحدر فوق خديها، أجابته وكأنها تحدث والدها وتقول:
= أبي، أنا هنا يا أبي، لماذا لحقت بي يا أبي؟ ألم أخبرك للمرة الألف، بأني أصبحت تلك القوية؛ فدعني وشأني؟!
أمسك ليث بذراعها، قائلا:
– ما بك، هل أنت بخير؟ أنا معك، افتحي عينيك..
أما سيلا.. فقد كانت تهلوس؛ تتحدث وكأنها تحدث والدها كطفلةٍ تائهة، وهي تقول:
= يشهد الله أنني أحبك يا أبي، كما أحبني كل حيوانات الغابة..
كلمها كثيرا، سألها أسئلة عديدة، لكنها ظلت نائمة ترفض الحراك أو الاستيقاظ، الأمر الذي جعله يقرر أن يصطحبها إلى أحد المشافي، وبعد وصوله المشفى، وإدخالها إحدى غرف العناية المركزة، وقف ليث بجوار النافدة وقد لاحظ حراكا بين الأشجار المحيطة بالمشفى؛ كانت مجموعة من الذئاب والضباع، فتناول بندقيته قائلا في نفسه:
– هناك سر غريب يربط هذه الفتاة بتلك الوحوش المغيرة!

 

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

غيبوبة
تصميم: مها شاهين

غيبوبةبقلم: مونيا بنيو منيرة من سلسلة ظلم سيلا
غيبوبة بقلم: مونيا بنيو منيرة من سلسلة ظلم سيلا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top