امرأة في سجن الرجال بقلم: أميرة العربي

الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون

الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون
الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون
الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون
“الألم معين الإبداع”
رأيٌ تتبناه نسبة كبيرة من المشتغلين وغير المشتغلين بالأدبو والفن، وخاصة في الشرق، بل إن هذا الاعتقاد أمرٌ متفق عليه بينهم، ومن ينكره ينكر معلوما من الإبداع بالضرورة.
يقول أحمد أمين عن الألم:
«إن الأديب كلما صهره الحب، وبرّح به الألم، كان أرقى أدبا وأصدق قولا، وأشد في نفوس السامعين أثرا»
ويقول ألفريد دي موسيه: “لا شيء يجعلنا عظماء سوى ألم عظيم”
وبالرغم من أن فئة أخرى ترى أن الإبداع قد يأتي كذلك من السعادة الغامرة والفرح والحب والإعجاب بالجمال، فلا تعارض بين الرأيين؛ فالمبدع إنسان تغشاه كل الحالات الإنسانية؛ من فرح وحزن وغضب و…
والموهوب الحقيقي هو القادر على تحويل مشاعره وآلامه وترجمتها إلى مُخرج إبداعي.
معاناة المبدع تدعوه للتأمل، لمحاولة السمو فوق الألم، لتحويل هذا الألم إلى مخرج فني يتمثل في لوحة أو لحن أو رواية أو قصيدة شعر.
الألم والمعاناة والخيال مصادر لإلهام الكاتب والفنان، وكثيرا ما استمتعنا بإبداع نابع من معاناة في الحب أو الهجر، أو من معاناة الفقر والحرمان، أو المرض والفقد، أو حتى من الظلم والقيد، فكم رأينا في أدب السجون مثلا عبقرية في التعبير استطاعت كسر القيود والتحليق في سماوات الإبداع، ليصبح ذلك الألم وقودا يلهب المشاعر و يصل للقلوب والعقول.
لا يوجد إنسان على وجه الأرض لم يُجرّب الألم والمعاناة بشكل أو بآخر، لذلك يجد نفسه فيما ترجمه الأدب والفن عن حالته وشعوره، ويتماهى معه بقدر ما استطاع المبدع التعبير عن مكنون نفسه.
لا يوجد إنسان لم يتألم، وكذلك لا يوجد محب حقيقي لم يعانِ أو يتألم في الحب.
عبّر عن ذلك الشعراء في قصائدهم؛ عن ألم الشوق والهجر والفراق ومعاندة الظروف لهذه العلاقات.
الإبداع والحب مرتبطان دائما بالألم والمعاناة، ولكن أعلى درجات الألم في الحب هي(صد المحبوب) أو الحب بلا أمل في الوصل أو اللقاء.
الشاعر إنسان يمر بكل ما يمر به البشر، والشاعر المحب يعاني من كل ما يعاني منه المحبون، ولكنه أقدرهم على التعبير.
الطبيعي أن تتدلل المرأة وتصد _قليلا أو كثيرا_ الراغب فيها، فهذا من المكونات الفطرية للأنثى، ومن الطبيعي أيضا أن يكون الرجل هو الطرف المبادر، المثابر في العلاقة، ويحاول أن يصيد قلب أنثاه بشتى الطرق؛ هذا أيضا من فطرة الرجل، ولكن ما الذي يدعو شعراء كبار، كالذين سيأتي ذكرهم في هذا المقال أن يتحملوا صد أنثى ودلالها بهذا الصبر الذي جعلهم يعانون، ويترجمون معاناتهم شعرا تتناقله الأجيال؟
بل ما الذي دعا محبوباتهم للإعراض بهذا الشكل عن رجال ذائعي الصيت في عصورهم، يقولون من الشعر ما يسبي قلب أي امرأة، بل وتتمنى الأخريات أن تسمع من هذا الشاعر ولو بيتا واحدا يتغزل فيها؟
يبدو أن الشعراء قد وجدوا ضالتهم في الحب الملهم والمعاناة المبدعة التي تحدثنا عنها، في حين كان صد الأنثى ربما بدافع عدم الثقة والخوف من تقلّب قلوب الشعراء، وربما لأسباب أخرى لم تذكرها لنا القصص.
ولو تتبعنا الحديث عن تلك المعاناة من صد المحبوبة، لوجدناها في الشعر قديمه وحديثه..
يقول أمير الشعراء أحمد شوقى:
عَلى قَدرِ الهَوى يَأتي العِتابُ
وَمَن عاتَبتُ يَفديهِ الصِّحابُ
أَلومُ مُعَذِبي فَأَلومُ نَفسي
فَأُغضِبُها وَيُرضيها العَذابُ
وَلَو أَنّي اِستَطَعتُ لَتُبتُ عَنهُ
وَلَكِن كَيفَ عَن روحي المَتابُ
وَلي قَلبٌ بِأَن يَهوى يُجازى
وَمالِكُهُ بِأَن يَجني يُثابُ
وَلَو وُجِدَ العِقابُ فَعَلتُ لَكِن
نِفارُ الظَّبيِ لَيسَ لَهُ عِقابُ
لم يسلم من تلك المعاناة كذلك (العباس بن الأحنف) الذي شهد له البحتري أنه أغزل الشعراء، وقال عنه الجاحظ:
(لولا أن العباس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم وأوسعهم كلاما وخاطرا، ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يتجاوزه، لأنه لا يهجو ولا يمدح ولا يتكسب ولا يصرف، وما نعلم شاعرا لزم فنا واحدا، فأحسن فيه وأكثر)
لم يصرح باسم محبوبته، وكان قد اختار لها اسما من عنده هو (فوز) حتى لا يعلم الناس شيئا عن صفة هذه المحبوبة؛ هل هي جارية أم أميرة! وقال يعاتبها ويصف لها حاله، وأنه لا يجيب غيرها من باذلات الحب من أهل بيتها:
أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ، أَنّي مُعَذَّبُ
بِحُبِّكُمُ وَالحَينُ لِلمَرءِ يُجلَبُ
وَقَد كُنتُ أَبكيكُم بيَثرِبَ مَرَّةً
وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ
أُؤَمِّلُكُم حَتّى إِذا ما رَجَعتُمُ
أَتاني صُدودٌ مِنكُمُ وَتَجَنُّبُ
فَإِن ساءَكُم ما بي مِنَ الضُّرِّ فَاِرحَموا
وَإِن سَرَّكُم هَذا العَذابُ فَعَذِّبوا
فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينَكُمُ
أُحَدِّثُ عَنكُم مَن لَقيتُ فَيَعجَبُ
وَقَد قالَ لي ناسٌ تَحمَّل دَلالَها
فَكُلُّ صَديقٍ سَوفَ يَرضى وَيَغضَبُ
وَإِنّي لَأَقلى بَذلَ غَيرِكِ فَاِعلَمي
وَبُخلُكِ في صَدري أَلَذُّ وَأَطيَبُ
وَإِنّي أَرى مِن أَهلِ بَيتِكِ نُسوَةً
شَبَبنَ لَنا في الصَدرِ نارا تَلَهَّبُ
عَرَفنَ الهَوى مِنّا فَأَصبَحنَ حُسَّدا
يُخَبِّرنَ عَنّا مَن يَجيءُ وَيَذهَبُ
وكذلك أبو نواس وجنان:
جِنانٌ حَصَّلَت قَلبي
فَما إِن فيهِ مِن باقِ
لَها الثُلثانِ مِن قَلبي
وَثُلثا ثُلثِهِ الباقي
وَثُلثا ثُلثِ ما يَبقى
وَثُلثُ الثُلثِ لِلساقي
فَتَبقى أَسهُمٌ سِتٌّ
تُجَزّا بَينَ عُشّاقِ
جنان هي تقريبا الوحيدة التي أخلص لها أبو نواس؛ برغم أنه كان متقلب الهوى، وقد أنشد فيها:
حامل الهوى تعب يستخفه الطربُ
إن بكى يحق له ليس ما به لعب
تضحكين لاهية والمحب ينتحبُ
تعجبين من سقمي صحتي هي العجبُ!
وقيل أنه رغم إدمانه الخمر، تبعها في رحلة الحج، وهناك أنشد قصيدة يتبتل بها للخالق ومطلعها:
إلهنا، ما أعدلك مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك والليل لما أن حلك
ويقال إن جنان كانت تُعرض عنه؛ ربما لطيشه وخوفها من الغدر، لكن ذلك لم يستمر إذ استطاع أن يغويها بشعره لها، وقيل أن سبب تغير رأيها أنها سمعته ينشد:
جِنانُ، إن وجُدتِ يا منايَ، بما آمُلُ لم تقطُرِ السماءُ دما
وإن تمادى ولا تماديتِ في منعك أصبح بقفرةٍ رِمما
عَلِقتُ من لو أتى على أنفس الماضينَ والغابرين ما ندما
لو نظرت عينه إلى حجر ولّد فيه فُتوُرها سقما
وأبوالعتاهية وعتبة:
أحب الشاعر أبو العتاهية جارية اسمها عتبة، قال فيها:
عُتبَ، ما للخيال خبريني، وما لي؟
لا أراه أتاني زائرا مُذ ليالي
لو رآني صديقي رق لي أو رثى لي
أو يراني عدوي لانَ من سوء حالي
وقد دفعه حبه لعتبة أن يقول فيها الشعر، لكنها لم تقابله بمثل ما يكنه لها، حيث واجهته بالصد والهجران، إلى أن كاد يفقد عقله فسمي بـ “أبو العتاهية” وقد أوصله اليأس من هوى عتبة إلى الزهد، فصار علامة في شعر الزهاد.
ومما قال في هجران عتبة:
يا إخوتي، إن الهوى قاتلي فبشروا الأكفان عاجلِ
ولا تلوموا في اتباع الهوى فإنني في شُغلٍ شاغلِ
ابن زيدون وولادة بنت المستكفي:
وهي من القصص الشائعة في العصر الأندلسي، عاش الاثنان قصة حب لفترة، ومن ثم كان الجفاء والممانعة من قبل ولادة،
وبين الشد والجذب تركت أقوى قصة حب في الأندلس أثرها في التاريخ العربي، ومن أروع ما أنشده ابن زيدون قصيدته النونية، التي جاء فيها عن الجفوة:
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيبِ لُقيانا تجافينا
بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقا إليكم ولا جفّت مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لفقدكم أيامنا فغدت
سُودا وكانت بكم بيضا ليالينا
ليُسق عهدكم عهد السرور
فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
ويا نسيم الصبا، بلغ تحيتنا من
لو على البعد حيا كان يحيينا
عليك مني سلام الله ما بقيت
صبابة بكِ نُخفيها فتخفينا
لكن للقصة وجه آخر، حيث ورد أن ابن زيدون تعلق إحدى جواري ولادة، ليثير غيرتها، أو أن ذلك حدث وهي تتغالى عليه، ما أثار غضب ولادة، وقد أنشدت ذلك شعرا، بعد الفراق:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهوَ جاريتي ولم تتخيَّرِ
وتركت غصنا مثمرا بجماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنني بدر السما
لكن ولعت لشقوتي بالمشتري
وهذا ابن رهيمة وزينب:
كان ابن رهيمة من شعراء الغزل العفيف، وكانت محبوبته زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن، وبعد أن شاع أمر عشقه لها استعداه هشام بن عبد الملك، فأمر بجلده، وأن يباح دمه إن عاد لذكرها فهرب.
أقْصدت زينبُ قلبي وسَبَت عقلي ولُبي
تركتني مستهاما أستغيُث الله ربي
ولها عندى ذنوبٌ في تنائيها وقربي!
وقد انتهت حياته بطريقة غامضة، بعد هروبه من الخليفة، ويذكر أنه مات وهو يتذكرها رافضا الزواج.
وفي النهاية..
لا أملك إلا أن أقول:
شكرا لكل أنثى(حَرون) أهدت لنا هذا الجمال قصائدا، والسلام لقلب كل شاعر قصدَ العذابَ مختارا، ليُسجل ألمه شعرا في ديوان الخالدين..
لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف
لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون الشاعر المفتون بالأنثى الحَرون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top