السحر الأسود
بقلم: أميرة العربي
“أنا آتٍ إليكِ، رجاءً، لا تفزعي”
السحر الأسود
السحر الأسود
مرت هذه الكلمات أمام عيني، وأنا أُشاهد فيلما رومانسيا تحول إلى فيلم مُرعب، جاءت تلك الكلمات وكأنها لي، وليست ضمن سياق الفيلم، اقْشعر لها جسدي رغم أني لا أخاف بحكم عملي.
أعرفكم بنفسي:
د/ أميرة “33سنة”، أعمل بقسم النساء والتوليد بمستشفي تعليمي بالقاهرة، لست مرتبطة، وبعدما حدث معي لا أفكر في الارتباط، مع أنني أحيانا أشعر أني عانس، ولا بد أن أرضى بزواجي من أي خاطب، وذلك من أجل عدم التعرض لنظرة المجتمع العقيم؛ الذي يحكم على المرأة بالموت إن تخطت الثلاثين، والمطلقة والأرملة، لعنة الله عليكم أيها المنحشرون، في حياتنا وشؤوننا أكثر من شؤونكم.
قصتي
سأسرد عليكم قصتي..
فمنذ ثلاثة أعوام كنت أعمل في الفترة الليلية بالمستشفى، وقد حدث انقلاب بالاستقبال لوجود حادث حريق، راح ضحيته خمسة من الأصدقاء، منهم ثلاثة قد فارقوا الحياة، واثنان حروق من الدرجة الأولى، وما كان يسري على ألسنتهم سوى أنهم يريدون شيخا ليحدثونه.
فجميعنا اعتقد أنهم كانوا يريدون منه أن يلقنهم الشهادة، ولكن كان الأمر على غير ذلك تماما، وفارقا الحياة بدون ملامح لوجوههم، وكانت آخر كلمات لأحدهم وهو ينظر لي: “لا تفزعي فإني آت اليكِ”
الكلمة
ارتعدت من هول الكلمة التى قالها قبل أن ينطق الشهادة، ويسلم الروح لخالقها، لقد مررت بأيام عصيبة بعد هذا المشهد حتى تناسيت ما حدث، وانغمست في عملي، فمن بين يدي تولد الحياة في صورة طفل جميل، وتُستَقبل بالفرح والزغاريد.
وفي أحد الأيام وأنا ذاهبة في طريق العودة إلى منزلي، حدث عطل في سيارتي على الطريق، وعندها ترجلت لكي أجد طريقي إلى سيارةٍ أجرة، ولكني لم أجد، حتى ظهر لي شاب وسيم، يرتدي قميصا رماديا وبنطالا أسود، في العقد الثالث من عمره، وقام بعرض خدماته، فما كان بيدي إلا أن أوافق، وقد كان في قمة الإحترام، وبعد أن قام بتوصيلي أعطاني رقم هاتفه، وقال أنه سوف يأتي غدا لكي يأخذ السيارة للتصليح، وقد كان.
أدمنت سؤاله
تحدثنا بالهاتف مرة للاطمئنان، وأخرى للسؤال، وغيرها من المكالمات حتى أدمنت سؤاله، شعرت باهتمامه واستحسنت هذا كثيرا، فقد أسرني بهذا الاهتمام.
ولكن ها هو قد انقطعت اتصالاته بعدما ترك لي رسالة جعلتني كالمجنونة، ألا وهي “لا تفزعي إني آتٍ إليكِ”
مما جعلني أبحث عن عنوان الشاب الذي قال لي هذا قبل موته.
العنوان
السحر الأسود
وها قد وجدت العنوان، وذهبت إليه ووجدت والدته، وأيضا وجدت ما لا أستطيع تفسيره!
وجدت صورة الشاب الذي قابلته منذ شهرين؛ نعم إنه هو، ولا أعلم كيف حدث هذا؟!
نعم أحببت شبحا!
وأثناء حديثي مع والدته، وجدته أمامي وفزعت، لكنه طمأنني وأشار إليَّ أن أطلب من والدته أن تجلب لي كأسا من ماء، كي يتحدث هو معي دون أن تشعر الأم بريبة، وقد أعطاني عنوانا لأحد الأشخاص، وقال لي:
اذهبي إلى هناك إن أردت أن تفهمي الحقيقة، وأن تساعديني كي أرتاح، ولا يؤذي أهلي أحد.
السحر الأسود
الفضول
أخذني الفضول كي أعلم ما هو السر خلف موته، وموت أصدقائه بهذه الطريقة؟!
ذهبت إلى منزلي وأنا أرتعد، وظلت الكوابيس المخيفة تطاردني، وأنا أخرج من كابوس إلى آخر، لا أستيقظ أبدا، تتلاحق أنفاسي، وأحاول أن أستيقظ لكن لا فرار، لا بد أن تظلي فيه حتى النهاية.
استيقظت عند صلاة الفجر، أشعر بالجاثوم فوق صدري، جاهدت نفسي وصليت الفجر، وقمت للاستعداد لليوم الجديد، ولكن..
كمن كان يتشاجر بعنف طوال الليل، ذهبت إلى العنوان المذكور، وما حدث لي هناك كان غريبا، بل غريبا جدا!
نفسي
حيث أنني كنت أنحرف كثيرا بالسيارة، وأشعر أن أحدا يعيق حركتي، فقمت بترديد ما تيسر لي من القرآن، حتى هدأت نفسي ووصلت إلى العنوان، وهناك وجدت من يفتح لي الباب، فقلت له:
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حضرتك الأستاذ عبد الحميد؟
= وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيوه أنا، أنا كنت منتظرك منذ يومين.
فنظرت له بتعجب، فقال لي:
= لا تتعجبي، قد ظهر لي ما ظهر لكِ تماما، فلا تخافي سوف أشرح لكِ كي نساعد في عمل الخير ليس إلا، فالفضول هو فقط ما يجبرني على الاستمرار.
استطرد في كلامه، وقال:
= لولا أنني تقاعست عن السفر معهم إلى خارج البلاد، لكنت الآن ألقى نفس المصير.
فنظرت إليه بتعجب شديد، وقلت له:
– أكنت تعرفهم؟
فنظر بحزن شديد، وكأنه قد طُعن بخنجر في قلبه؟ وكادت عيناه تنفجر من الدموع، وقال:
= لقد كنا أكثر من إخوة، ويوم الحادث كنت معهم، وقد حدث ما حدث أمام عيني، ولُذت بالفرار، أخذت فترة من الذهول بعد أن ظهروا لي، واعتدت ذلك، وكل هذا لإنقاذهم من وجودهم أحياء أموات.
السحر الأسود
سياحة
نظرت في ذهول ورعب، وأنا أردد: “أحياااء، أموااات، وكيف هذا؟!”
فنظر بحزن، وقال لي:
= سوف أحكي لكِ ما حدث لهم منذ أن قررنا أن نسافر كسياحة حول العالم، ولم أذهب وقتها؛ لرفض جهة العمل طلب العطلة، فذهبوا بدوني، ويوميا كنت أعلم عنهم جميع الأخبار، ومن كل مكان كانوا يبعثون لي بكل التفاصيل، حتى انقطعت أخبارهم لمدة عام، واعتقدنا جميعا أنهم لقوا حتفهم، ولكن…
منذ عام تقريبا، وصلت منهم رسالة تفيد بأنهم قادمون إلى مطار القاهرة، وأقام أهلهم الأفراح لعودة أبنائهم، وكنت أنا أول من استقبلهم بالمطار، وقد اختلفت الوجوه كثيرا، كأنهم كانوا في القبر؛ شحوب بالوجه، ونحول بالجسد كهيئة الموتى.
السحر الأسود
ثم قطع سرد قصته، وهو يقول:
= أتحتسين قليلا من الشاي؟
فنظرت، وقلت له:
– نعم، وفي داخلي أتوسله أن يُكمِل بدون توقف.
علمت منه أنه يعاني الكثير منذ الحادث، يظهر له الأشباح ليل نهار حتى اعتادهم، وبعد إعداد الشاي استرسل في الحديث:
= أتعلمين أنهم كانوا أقرب إلي من نفسي؟! أصبحوا الآن في غموض تام، تركوا منازل أهلهم، واتخذوا مسكنا بالقاهرة وحدهم، كان الجيران يسمعون صرخات غريبة، ولا يدرون من أين؟!
قبل الحادث
وقبل الحادث بثلاثة أيام ذهبت لزيارتهم، وكان حالهم غير الحال، لم يتحدث معي سوى خالد؛ ذلك الشاب الذي أتى بكِ إلى هنا، قال لي ما حدث معهم وما السبب في اختفائهم لمدة عام كامل؟!
وهنا وضع عبد الحميد يده على جبينه، وقال لي أنه يشعر بالإرهاق، واستأذن في أن يرتاح قليلا، ثم أرشدني إلى غرفة في شقة مجاورة، أعطاني المفتاح وقال لي:
= اذهبي وارتاحي حتى تستعدي للمفاجأه الكبرى، وعندها كاد الإرهاق يقتلني، وما قتلني أكثر هو فضولي.
السحر الأسود
وها أنا أرتب مكاني وأرتدي ملابسي القطنية؛ كي أستعد للنوم، وعندما أغمضت عيني، وجدتني في غابة كثيفة العشب، ووجدت خالد يقف ويأخذني من يدي في صمت، ويريني كهفا غريبا ليس به إلا عظام للموتى، وسيدة ارتسم على وجهها خرائط من كثرة التجاعيد، والألوان والطلاسم، ومَن حولها يهللون ويرقصون كأنهم سكارى، وهي تزداد قوة، كلما جاءها أحدهم بقطعة من جسده لتأكلها؛ حتى ينتهي ويموت ويتغذى على ما تبقى منه باقي رفاقه.
الفزع
فقمت من النوم ينتابني الفزع، إذ وجدت أن ميعاد صلاة المغرب قد أزف، فقمت وتوضأت وقرأت الأذكار، وتمنيت أن أدخل شقة عبد الحميد كي أوقظه، وأقول له ما رأيته أثناء نومي، لكن خِفت أن أزعجه، وجلست في الشرفة، أنظر إلى هذا المكان النائي أمامي، وسمعت طرقات الباب وصوت عبد الحميد، فتحت له، ووجدته قادم وفي يده طعام، لا أكذب عليكم، فقد كنت جائعة، ولكن بعدما رأيت ما رأيت في حُلمي أصابني الاشمئزاز، ولكن أكلت لكي لا أموت جوعا.
الحظ
وقد أعددت أنا الشاي هذه المرة وجلسنا وقصصت عليه ما رأيت، فوجدته يقول:
= هذا حقا ما حدث لأصدقائه عندما ضاعوا في إحدى الغابات، ووجدتهم قبيلة آكلة للحوم البشر، تحكمهم ساحرة تستخدم السحر الأسود لتتحكم بالغنائم التي يحضرها لها بعض الناس؛ طمعا منهم أن تعطيهم القوة والمال، وتجعل من ضحاياها أحياء أموات، حتى تنتهي حياتهم بأيديهم، وعندها تنتزع هي قلوبهم وتقوم بأكلها لاكتساب الرضا من أشرس ملوك الجان.
لكن الأصدقاء حالفهم الحظ كثيرا أثناء هذه الأحداث، فقد فقدوا أحدا منهم، وعلمت أنهم أثناء نوباتهم الجنونية (ثأرا بالسر) قد أكلوه إرضاءً للساحرة.
ليل جديد
لا أنكر أنني أصابني الهلع والغثيان، لكن فضولي يا سادة جعلني أومئ برأسي أن يكمل كلامه.
وها أنا يأتي على ذهني المشوش ليل جديد أخاف أن أنام، وأخاف أن أجلس وحدي.
تتلاحق أنفاسي، وأنا كالطفلة تنظر في أرجاء الغرفة؛ تنتظر ظهور العِفريت الذي سوف يأتي ويجذب الغطاء بهدوء وينتزع الصرخات المدوية _ يا لها من أحاسيس تصيبني بحالة أقرب للبكاء_ وقد أخذني النوم عُنوة دون أن أشعر، وجدت خالد يمسك يدي ويكمل لي ما قد صار.
أجد نسمات الرياح تداعب خصلات شعري، وشعرت حتى برزاز الماء على وجهي، لا أعلم فأنا أقرب للحقيقة عن أن يكون حلما، وفجأة، وجدت مجموعة من الموتى الأحياء، عند جملود في قلب نهر يمتلئ بالتماسيح، يتوسط النهر تمثال من المعدن اللامع ليس له ملامح، وليس له سوى فم يسيل منه الدماء، وجدت العديد من الناس يهللون ويرقصون، لأن أحد الموجودين قد قتل نفسه فداء للتمثال.
وتدوي الصرخات ولا أشعر سوى برهبة وذهول، تجمدت الدماء في عروقي، لم أشعر سوى بيد خالد تطمئنني، وجلست على صخرة مجاورة لمشهد الجملود الملعون، فجلس خالد يحكي لي، عن كم الألم والرعب الذي ذاقوه.
أخيرا
وأخيرا، قرر خالد أن يزيل الغموض عن عيني، وأن يجيب عن سؤال تكرر في نفسي؛ وهو “ماذا علي أن أفعل؟”
واسترسل خالد قائلا:
– لا خلاص من هذا إلا أن أقوم أنا وصديقهم عبد الحميد بإنقاذ أرواحهم، لأنهم رغم الحريق والموت ما زالوا أحياء.
فنظرت إليه وكلي ذهول، أنا أشعر أنني كلما تعرفت على حقيقة مما حدث لهم، كمن ارتفع إلى السماء ثم ارتطم بالأرض،
آه من شدة الألم! فأنا في متاهة، لا أستطيع أن أخرج منها إلا عندما ينتهى ذلك الكابوس المتمثل في معاناة خالد وأصدقائه.
استيقظت كعادتي لصلاة الفجر، وهذه المرة لم أستيقظ على صوت المنبه، فقد استيقظت على صوت بكاء شديد يأتي من الشقة التي يسكن بها عبد الحميد.
وبهدوء فرغت من صلاتي وأذكاري، وقمت بإعداد الإفطار، وطرقت الباب عليه لكي أهون عليه ما هو فيه من ألم، فأنا أشعر بقلبه يتمزق لما قد حدث لأصدقائه وما قد شاهده.
هاديء
قدمت له الإفطار وأنا أتأمل ملامحه، فهو منمق وهادئ، وله لحية مهذبة، عندما ينظر إليك تشعر أنه طفل بريء، نظراته حزينة يريد أن يحيا.
قطع بكلامه خيالي وتأملي حيث قال:
= سأحكي لكِ عن يوم الحادث.
فجذب انتباهي وجعلني في قمه فضولي، وها هو يقوم بقطع هذا الفضول بكوب من الشاي يقوم بإعداده، وجلس مسترسلا في الحديث:
أنه عندما ذهب إليهم وقام خالد بالحديث معه، تذمر باقي أصدقاؤه وقالوا له:
اذهب، فأنت ستكون سببا في إيذائنا، ولكن خالد كان يريد أن يحرر روحه وأرواحهم، فقد شعر أنه بدون قصد قد كفر بالله بسجوده لتلك العجوز الشمطاء، وذلك التمثال نتيجة السحر الذي وقع عليهم، وكان يقول: أنها تظهر لهم يوميا؛ حتى بعدما فروا من موقف الجملود الملعون، حيث استطاعوا أن يسبحوا بعيدا عن ذلك التمثال الذي تحيطه التماسيح، ووجدهم أحد قادة القبائل التي تسكن تلك المنطقة، وقد علم من مظهرهم ما عانوه خلال عام، حيث أن أحدهم فاقد يده، والآخر فاقد النطق، ومنهم من فقد أجزاء من جسده؛ كان يقطعها بيده لإطعام تلك المشعوذة الملعونة.
السحر
وقد قام هذا الرجل باستضافتهم بقبيلته، ومحاولة علاجهم من السحر الأسود الذي أصابهم، ولم يكن ينقصهم سوى إخراج السحر من داخل أمعائهم، وذلك للموت أو الحياة؛ فهم لا يعلمون أهم أموات أم أحياء؟
شعرت بموجة من الاختناق تجتاحني، وكادت عيناي تنفجر من الدموع، ونظرت إلى عبد الحميد الذي بدوره كان يتأمل ردود فعلي، ويحاول أن يسترسل بهدوء، حيث قال:
أنه عندما تحدث إليهم وجد شُعلة من النار تلمع في غرفة من غرف المنزل، ووجدهم قد ارتعدوا، وقد قال أحدهم:
إنها شرارة النار، لأننا خالفنا الشيطان الذي سلمناه أنفسنا، لقد وجدونا..
النار
وهو يهرع ويهلع كل من حوله، وأنا أرى كلا منهم يتألم ويمسك بأمعائه، ووجوههم وأجسادهم تحترق دون أن تمسهم النار، وهذا كله حدث لأنهم اتفقوا مع طبيب لإخراج السحر من داخلهم، وكان عقابهم أنهم احترقوا بهذه الصورة؛ فقد رأيتهم ولم أستطع إنقاذهم.
واختنق صوت عبد الحميد وهو يسترسل فيما يقص، وازداد الاختناق حد البكاء والنحيب.
كم أشفق عليه وعلى نفسي! ألهذه الدرجة وصل الشر والأذى بالناس؟! ألهذه الدرجة يباع الإنسان للمشعوذين لنيل القوة الزائفة؟!
فقمت وربت على كتفه، وأنا أقول له:
– لم يكن بيديك شيء، فهذا كله مكتوب.
وذهبت بعدها إلى غرفتي بالشقة المجاورة، فأنا أشعر بالنعاس، وأيضا أردت أن أرى خالدا، حقا إنه شبح لطيف، وتوسدت الوسادة بمنتهى المشاعر المتناقضة؛ خوف ممتزج بفضول، يحمل بين طياته مشاعر لا أجد لها تفسيرا.
البحر
ها هو خالد يقف بجواري، يحدثني وينظر إليّ، وهذه المرة لم يأخذني إلى مكان السحر والشعوذة، إنما أخذني إلى شاطئ البحر.
وهناك شعرت أنه يريد أن يخفف عني هلعي وذهولي من كل ما يحدث حولي، وتحدثنا كثيرا وأثناء الحديث شعرت أني أعرفه منذ زمن وصارحته بهذا، فكانت نظراته تخترق قلبي، إذ يوجد بداخل عينيه أمان لا مثيل له، وحب.
نعم أرى حبا، وكلمات رائعة تتحدث بها عيناه دون أن ينطق، سوف تقولون “مجنونة “، نعم يا سادة فقد أحببت شبحا، وتمنيت أن يكون حقيقة حتى أحيا معه، وبين ضلوعه أسكن، أتعلمون أمرا؛ إني أرى فيه ما لم أره من الأحياء.
قرار
إنه الصدق والأمان، فمن منا لم يكن في أشد الاحتياج الى مثل هذه الأحاسيس لكي تستمر حياته؟
الآن قرر أن يفاجئني بالطريقة التي لم أتوقعها منذ بداية قصتي معه، الآن قرر أن يرشدني إلى كيفية إنقاذه؛
فهو يريد مني أن أدخل المقابر، وأن أُخرج من أمعائه وأمعاء أصدقائه السحر، لكي يستقروا في أمان، وأنا كلي اندهاش، تحجرت عيناي من شدة الذهول، ووجدت شهقة تخرج من داخل أعماق قلبي، ولسان حالي يقول: كيف لكِ هذا؟!
وجدته كأنه قرأ أفكاري، واسترسل قائلا:
= سوف يحدث في ليلة قمرية بمساعدة عبد الحميد، وهذا بعد أربعة أيام، وسوف أكون بجوارك دائما، لا تفزعي، فأنا هنا لن أتركك تتعرضين لأذى.
القلق والتوتر
لا أنكر أنني شعرت بالأمان، وكل يوم من هذه الأيام الأربعة كنت أجد خالد أقرب إلي أكثر مما سبق، وأرى آثار القلق والتوتر تسيطر على عبد الحميد، الذي جلب لي جلدا من جلود الحيوانات، وطلب مني أنه عند استخراج السحر أضعه وأطوي عليه ذلك الجلد، وأحرقه لكي تنتهي اللعنة، فقلت له:
– ألن تكون معي؟ سوف تأتي لمساعدتي؟
قال لي:
= سأكون هناك، ولكن من الصعب أن أساعدك.
فنظرت إليه باستنكار، ولكنه قال:
= سوف تفهمين عند المقابر كل شيء
وجاء اليوم المحدد وأنا أرتعد خوفا، شعرت أن شعر رأسي يصدر أصواتا، كأن أحدهم يقوم بجذبه، ووجدت عراقيل كثيرة حتى وصلت أنا وعبد الحميد إلى المقبرة، وبالطبع كان هناك اتفاق مع حارس المقبرة، ورشوته بمبلغ وقدره، وقد فتح لنا المقبرة، وهنا لم أجد عبد الحميد، ووجدت خالد يقول لي: – أكملي، لا تتوقفي.
صرخات
وسمعت صرخات انتزعت نبضات قلبي من داخلي، وأكملت كما قال خالد، ودخلت المقبرة، وفتحت الأكفان الخمسة، وما أدراكم ما رأيت وما سمعت وما شعرت! تمنيت أن أموت معهم من شدة ما رأيته، فقد وجدتهم أمواتا ليس عليهم غبار، كأنهم لم يتعرضوا للحرق، وكشفت وجه أولهم، وإذا هو متحجر العينين، كأنه يقول:
– حاولي، وسوف تلقين حتفك، ولم يطمئنني سوى خالد، كان يشعرني بالأمان، ففعلت وفتحت أحشاءه وفُزعت مما وجدت؛ وجدت دمية مليئة بالدبابيس والمسامير، كيف وصلت هذه إلى داخل أمعاء هذا المسكين؟!
الفودو
لقد سمعت عن سحر الفودو، ولكن لم أعلم أن الدمية داخل الجسد، وقرأت ما تيسر لي من القرآن.
وها أنا مع الكفن الثاني، فتكرر نفس المشهد، والثالث هكذا، حتى وصلت للكفن الرابع، فوجدت من تعلق به قلبي؛ وجدت “خالد”
فإذا بدمعة تخرج من عيني بدون شعور، وقد نفذت المهمة، وأخيرا وصلت إلى الكفن الخامس، الذي أصابني بهلع زائد، وكدت أن أموت من هول ما رأيت؛ لقد رأيت “عبد الحميد” ووجدته مبتسما لي وكأنه يشكرني، ونفذت ما قد أتيت من أجله، ووضعت الدمى في جلد الحيوان، وأحرقته كما قال لي عبد الحميد، ودفنته بجوارهم وخرجت.
ذهبت إلى منزلي، وأنا في حالة هستيرية من البكاء، ولا أرى أمامي، الآن.. أستيقظ وأرى جسدي قد توصل به العديد من الأسلاك، والأطباء من حولي يقولون لي:
غيبوبة
حمدا لله على سلامتك، فقد أصابتك غيبوبة، وكنت نائمة منذ شهر تقريبا.
فشعرت كأن أحدهم قد ضربني بمطرقة على رأسي، ولم أعد أستوعب ما حدث؛ أكان حلما أم حقيقة، أم أنني قد جُن جنوني؟!
السحر الأسود
فلتنقذوني يا سادة، ولا تفزعوا عندما آتي إليكم.
السحر الأسود
لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف
لمتابعة كل ما هو جديد من هنا