نانسي وتامر حسني بقلم: مصطفى نصر

نانسي وتامر حسني

نانسي وتامر حسنيبقلم: مصطفى نصر
نانسي وتامر حسني
نانسي وتامر حسني
للمدن المضيئة بالنيون وبريق الأضواء، والقصور السامقات المخملية التي تنبئ بالفخامة وجوه أخرى، بائسة في قاع المدينة، حيث يسجل البؤساء على هامش المدينة حياة أخرى، مليئة بالبؤس والشقاء، فلا تظنن أبدا أن كل ما يلمع ذهبا.
سمعت حديثا كثيرا _كصحفي باحث عن الوجوه الأخرى للحقيقة_ عن وجود حياة أخرى غير هذه الحياة التي يعيشها المترفون في الجانب المضيء من المدينة، بطلها هو مواطن الهامش، في العشش الصغيرة التي تختفي خلف هذه القصور الشامخات، وقد لامني بعض الأصدقاء _ومعهم كل الحق_ على أننا كصحفيين وإعلاميين كالفراشات؛ تجذبنا الأضواء لهذه المساحات الضيقة، وتقصر أبصارنا وجهودنا على تلك البقعة المضيئة من عاصمتنا، ونهمل _عمدا أو جهلا_ حياة السواد الأعظم من السكان الحقيقيين هناك.
حملت أوراقي وكاميرا هاتفي في رحلة، لم أعرف من أين أبدأها؟ ودلني البعض على جهة الغرب، حيث يتجمع النازحون للعاصمة من بعض الولايات البعيدة، بعد أن أجبرتهم موجات الجفاف ونقص الغذاء في مناطقهم إلى البحث عن ملاذ آمن في أطراف العاصمة، فلفت نظري هناك من الوهلة الأولى، أن كل وسائل المواصلات البائسة التي أكل عليها الدهر وشرب، ومنعت من العمل داخل العاصمة لأنها تشوه الوجه المخملي لعاصمتنا، تعمل هناك.
سألت عن مركز البؤس في تلك المناطق، فقالوا لي:
– إذا أردت أن ترى البؤس يمشي على قدميه، فاذهب للمقلب المركزي لتجميع القمامة بهذا البص (الأوتوبيس) لأن هنالك توجد عائلات تعتمد في رزقها على قمامة أحيائكم المخملية، يفصلون البلاستيك عن الزجاج والألومنيوم والورق الكرتوني، ويبيعونها لأصحاب المصانع؛ كلا على حدة، ويكسبون رزقهم من ذلك.
وبالفعل، ما أن وصلت للمنطقة، حتى استقبلني مئات الأطفال هناك، وزفوني إلى داخل الحي الذي أصبحت تسكنه العديد من الأسر، في أكواخ مصنوعة من البوص والحصر، ويغطيه الكرتون، رغم مخالفة البيئة لشروط السكن الصحي في وسط هذه الجبال من القمامة، وما تجمعه من حشرات وذباب وقوارض.
سألت الأطفال:
– هل تدرسون؟!
فوجدت أكثرهم قد أجابوا بالنفي، فهم من الفاقد التربوي، الذي يزيد كل عام من إحصاءات الأميين بالبلاد، يحرمهم ذووهم من الذهاب للمدارس، حيث يمثلون أيدي عاملة مهمة في زيادة دخل الأسرة، وقلة قليلة منهم يذهبون للمدارس، وهم الآن في ساعة الراحة المخصصة لوجبة الإفطار، وأنهم في انتظار (نانسي عجرم)، و(تامر حسني) للفطور.
تعجبت من صلة هؤلاء المطربين؛ اللبنانية والمصري بإفطارهم، ثم ظننت أنهما ربما لهما وقف خيري لهؤلاء الفقراء.
ولكن زال عجبي عندما علمت من الأطفال أنها أسماء وجبات معينة، يعدها هؤلاء الفقراء من واردات سيارات القمامة، حيث يؤدي الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي إلى حدوث فساد كبير للحوم والدجاج، في ثلاجات البقالات والسوبر ماركتات، فيكون في هذه السوانح، عندما تأتي اللحوم عيدا، وفرحة للسكان؛ حيث توجد مطاعم شعبية تضع هذه اللحوم بعد غسلها في الزيت، ويجهزون الخبز لبيعها كسندوتشات للطلاب بأسعار زهيدة؛ تتناسب مع حالة الفقر التي يعيشها السكان هنا.
وقد وضعوا أسماء شعبية لهذه السندويتشات، حيث تسمى هذه اللحوم الفاسدة بصورة عامة (الله قتله)، ورؤوس الجداد والأجنحة (تامر حسني)، وصدور الدجاج (نانسي عجرم)، أما اللحوم المختلطة بالكبدة والقلوب، فهي الأغلى ثمنا وتسمى هنا (بتحرمني منك)، وهي لا يطيقها إلا أثرياء هؤلاء الفقراء.
فسألتهم:
– ألا يتسبب هذا الطعام في موتكم؟!
فأجابوني إجابة بسيطة، لكنها بليغة تصلح وحدها لأن تكون عنواناً لكتاب:
(الجوع أكثر قتـ.. ـلا)

نانسي وتامر حسني

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف
لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top