فرحة سيلا
بقلم: مونيا بنيو منيرة
الحلقة الثامنة من سلسلة حلقات ظلم سيلا
وقفت سيلا في تلك الأمسية مطولا أمام المرآة، لتغرق في ملامحها التي لم تكرهها يوما؛ بل إنها لم تشعر أنها قليلة الجمال أبدا، وإنما ترى نفسها عادية. وجمالها في ثقتها بنفسها وربها الذي خلقها في أحسن صورة، وهو الأعلم بما يناسبها. وأن دمامة خلقتها لربما خير كبير؛ لا يعلمه إلا هو، وأن رضاها بهذا يزيدها إشراقا.
حجم العقاب
كانت تترقب حضور السكان هذا المساء لأخذ قصاصها منهم. تأملت المكان برهةً وهي ترى بعض الزينة أمام الباب، والتغيرات التي استغربتها!.
كانت تنتظر وتأمل أن يجتمع الجميع أمام مدخل الباب، وهم يترقبون عقابها بكل قلق وخوف.
تأمل أن تراهم يتألمون وهم في حيرة من أمرهم، ويتساءلون في أنفسهم عن حجم العقاب الذي ينتظرهم!.
وما لفت انتباهها هو خروج ليث مسرعا؛ الأمر الذي زاد من حيرتها، فاتجهت لتسأل أم ليث، فوجدتها منشغلة بالمطبخ في صنع بعض الحلوى، واستهجنت صمتها المريب!.
سماحة ليث
وهنا خرجت سيلا واتجهت إلى الغابة، حيث استقبلتها الحيوانات بكل حب؛ ما جعل صدرها ينشرح، وزادها إيمانا بأن الله يحبها.
استطاع ليث أن يعد خطته مع أهالي القرية ووالدته، فالجميع على قدم وساق؛ يحضرون لحفلة كبيرة لأجل سيلا. ورغم الحزن الذي لامس قلوب أهل القرية ورعبهم من تهديدات سيلا، إلا أن سماحة ليث وذكاءه، جعل العقاب منحة وفرحةً لا توصف في تاريخ تلك القرية.
وبعدما اتجه ليث ليخبر والدته بأن كل شيء على ما يرام، وكلهم سعداء ومتلهفون. أخرج علبة مجوهرات من جيبه
متنحنحا:
– ما رأيك، يا أم ليث؟
نظرت إليها مطولا، والدموع تنزل لا إراديا:
= وهل يعلو على ذوقك ذوق، يا سيد الأذواق؟!.
ثم ضمته ضمةً أرادت من خلالها أن تغسل كل الظلم الذي عاشه مع قلوب متحجرة!.
(كن ذا نية صادقة، فلن تُنجيك إلا نيتك)
أعماق الغابة
فقد عاش ليث حياة بائسة لعدة سنوات، وكم من محاولة ليعيد حياته! لكن كل محاولات والدته قُوبلت بالرفض الشديد.
قد يجعل الله لنا في التأخير والصبر ما لا نتوقعه..
أزهرت الحياة في قلب ليث رغم قتامتها لسنوات. مضت الأيام والسنوات العجاف التي كانت بلا أمل.
اتجه بفرحة قلبه إلى أعماق الغابة، مزلزلا إياها بصدى صوته، وهو ينادي على سيلا التي وجدها في عمق الأدغال، محاطة ببعض أصدقائها وأحبائها من الحيوانات، فنسج من تلك الحيوانات شهودا على حبه لها. ثم مضى كما يمضي رجال هذه الأيام:
– هل تقبلين بي زوجا، يا سيلا؟
زعيم الغابة
إنني أعترف لك أمام أحبائك، وأحب من أحببت إلى قلبك، أن روحي سكنت لروحك وآنست لوحودك. فهل تكملين عمرك المتبقي في حضرة روحي التي تتيمت بك؟
وقف الزمن بها، وتلعثم لسانها، وأبحرت عيناها في مقلتيه دون أن تجيب!.
أعاد الطلب من حضرة زعيم الغابة، فضحكت سيلا من طريقته، وانشرحت من نقاء روحه وافتضاح سريرته.
صرخت الحيوانات فرحا لضحكاتها التي تطرب المكان، وضحك ليث لضحكهم. رُسم الموقف أجمل ما تمنت سيلا أن تعيشه، وهنا تطأطىء رأسها خجلا وفرحا، وتتجه إلى القصر تاركة إياه في الغابة.
اللحظة
تتسارع خطاها باتجاه والدته لتخبرها بالأمر. كانت والدة ليث تحضر شيئا ما في الخفاء إلى أن نادتها سيلا:
– هل تعلمين يا أمي، أني سعيدة اليوم؟!
قالت:
= نعم.. أعلم، ستأخدين حقك، يا حبيبتي
قالت:
– بل إنني اليوم أخذت كل حقوقي، ألم يخبرك ليث؟!
فضمتها إليها، وقالت:
= كيف لا، وأنا أنتظر هذه اللحظة منذ زمن؟!
وفي نفس اللحظة.. تعلو الأصوات باسم سيلا. توجهت إلى صدى الأصوات بخطوات متسارعة، حيث وجدت كل أهالي القرية مجتمعين بالشموع والزغاريد، وليث يتوسطهم في حفل بهيج. أعلن ليث أمام والدته والجميع رغبته بالزواج من سيلا، التي كانت منبهرة ومذهولة من المفاجأة، فبكت فرحا..
أعوام أعوام
مضت أعوام وأعوام على هذه القصة، وها هي سيلا مع زوجها ليث، وهدايا من الله؛ بنات وبنون، كأنهم البدور، فرغم مكانته الاجتماعية ومشاريعه وأعماله، لم يترك القرية؛ تحقيقا لرغبة سيلا وتوازنها النفسي، فهي تقصد دائما الغابة، لأنها أحب الأماكن إليها بعد ليث وأولادها.
سر السعادة
من قال أن جمال المظهر أو المال سر السعادة؟! ومن قال أن الظلم يبقى طافيا فوق الماء؟!
إنما يبتلي الله عباده المؤمنين
ولن يثمر إلا الخير، ولن ينجي إلا الصبر، والجزاء من جنس العمل
وها هي العجوز سيلا..
ما زالت تجتمع كل صباح بالحيوانات، ليتفقدوها وتتفقدهم..
فرحة سيلا بقلم: مونيا بنيو منيرة
تمت، بحمد الله
لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف
لمتابعة كل ما هو جديد من هنا