غريب رغم أنفه بقلم: الزهراء محمد سعيد

غريب رغم أنفه

غريب رغم أنفه
غريب رغم أنفه
غريب رغم أنفه

بقلم: الزهراء محمد سعيد

الجزء الأول
ارتفع الموج، واهتز القارب بشدة، كان كجبل ضخم، وقاربنا الصغير يترنح فوقه كريشة في مهب الريح!
بيد مرتعشة، حاولت التمسك بالحافة الخشبية، والاختباء في جسد زملائي الذين لا أتذكر أسماءهم؛ تقابلنا غرباء في طريقنا المجهول، وها نحن نواجه الموت، لا يجمعنا إلا الفزع.
ازدادت قوة ضربات الأمواج، ثم انقلب القارب وتحطم، تناثرنا كحبات مسبحة مزقت، فتفرقت حباتها في كل الزوايا، ابتلعني الموج وشعرت بملوحته في حلقي، سحبت للأسفل، قاومت حتى صعدت للسطح.
شهقت بعمق، مسحت عيني، تلفت حولي، لكن لا أثر لحي؛ مجرد ظلام دامس، وموج يتراقص، يتراجع للخلف، ثم للأمام ليضربني مرة أخرى بقوة، ثم ابتلعني المحيط وغصت.
حاولت المقاومة حتى خارت قواي، وشعرت بالاختناق، تحسست عنقي وأنا أجاهد من أجل التنفس، وصرخت، ثم هويت مرتطما بالأرض بقوة.
فتحت عيني، فإذا أنا في غرفتي، تنبهت وشهقت بعمق محتفظا بالهواء في رئتي لأطول مدة ممكنة، ثم زفرت في هدوء وتمتمت:
– اهدأ يا علاء، إنه مجرد كابوس، أنت الآن بخير.
نهضت بسرعة عندما دق جرس المنبه؛ عليَّ الاستعداد للذهاب للعمل بسرعة
في بضع دقائق، توضأت وصليت، وبدلت ملابسي، لم أمتلك وقتا كعادتي لتناول الإفطار، لا بأس؛ سأتناول بضع لقيمات، وكوبا من القهوة في وقت الراحة.
أعمل بأحد محطات القطارات، هنا في إيطاليا، قدمت منذ سبع سنوات، كم عانيت في رحلتي؛ بالطبع سفر غير شرعي، أتذكر نظرة أبي لي، وهو يحثني على النهوض بسرعة للحاق بالقارب، ونصائحه لي من أجل الحفاظ على المال الذي أحمله معي، وألا أخبر أحدا عنه.
أما والدتي، فكانت تخفي دمعها المتأجج في مقلتيها، تحاول رسم ابتسامة زائفة، لكنها لم تستطع تزييف نظرتها الحزينة، كانت تتوسل ألا أخاطر، لكنها خشيت غضب والدي منها، فآثرت الصمت في استسلام.
تحركت على أطراف أصابعي في الظلام؛ أتحسس موضع إخوتي الخمسة المكدسين في غرفتهم الضيقة، قبلت وجناتهم وتأملت ملامحهم طويلا، وتأكدت من وجود صورتنا التي تجمعنا في حافظتي.
إخوتي عمر، إبراهيم، سالي، سوسن، وأصغرنا يحيى.
أتذكر رائحتهم جيدا؛ حتى بعد مرور تلك السنوات، ابتسمت نصف ابتسامة وتمتمت:
– كم أشتاق إليكم جميعا!
وصلت لمكان العمل حيث يعج بالمسافرين، حقائب في كل مكان، وثرثرة لا تتوقف.
استلمت نوبة عملي من زميلي “ماركو” بعد أن ألقيت عليه تحية الصباح التي ردها بابتسامة، ثم غادر بسرعة ليرى طفليه قبل ذهابهما إلى المدرسة.

يتبع

غريب رغم أنفه

تصميم الغلاف: مها شاهين

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

1 فكرة عن “غريب رغم أنفه”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top