غربة
بقلم: نسرين فاروق
في عزلة تامة وتخبط غير مسبوق، هممت دون تردد، وارتديت ملابسي دون تحديد وجهتي، تقودني خطى سريعة وأنفاس متعبة، وكأنني أبحث عن شيء ما، تعلو الأصوات من حولي، وتعلوها دقات قلبي، وبعد وقت ليس بالقليل، توقفت فجأة، وكأن قدمي التصقت بالأرض، فإذا بي أتوجه إلى نفس المكان.
صمت قليلا، تتلعثم بين شفتي الكلمات، وبدأت ترتجف في عيني الدموع، اكتفيت بتلك النظرات البائسة لمن حولي، نظرات حائرة؛ بعضها ممتلئ بالخوف، والآخر ممتلئ بالحنين.
ارتديت عنوة ثوب الهدوء، نظرت للبيوت، فإذا بذاكرتي تعود للوراء سريعا، وتخيلت لو أن كل شيء كما هو دون تغير، أخذت شهيقا طويلا، وبدأت رائحة الأماكن تنثر عبقها حولي.
يوما ما مررت من هنا، هنا كان بيتي القديم، وهنا مدرستي، هنا تسكن صديقة كنت أعتقدها كذلك، وهنا مررت أنا وأمي، تكاثرت على ذاكرتي الأحداث، وأيقنت أن العمر مر سريعا، وددت لو أني أرى بعض الوجوه، فالأماكن بدونهم معتمة، صدقا.. يستمد المكان روحه من ذويه.
لم يبق في المكان إلا جدران، ووجوه تجهلك، لا أحد يعرفك؛ أنت الآن غريب، لا وجود لك في المكان، وإذا بصوت يأتي من خلفي:
– اتفضلي يا بنتي، انتِ مين؟
لملمت شتات نفسي سريعا، وألقيت عليها السلام، وأكملت طريقي.
أنا الآن هنا، أعود بعد عدة أعوام لأقضي بعض الوقت، ثم أغادر مرة أخرى، أشعر بأنني لا أنتمي إلى هذا المكان ولا ذاك،
أنا الآن أشبه بهوية دون عنوان.
وجوه المارة أصبحت في لحظة كالأشباح، كل الوجوه المألوفة مفارقة!
ما الذي حدث؟!
كل ما في الأمر أننا أصبحنا أغرابا، لا نمتلك رفاهية الاستقرار، فجزء منك هنا، ووجودك الفعلي هناك، حتى ملامحنا أصبحت غائبة عن الجميع!
نحن في عالم الغربة نصف أحياء، ولو لم يعترف بذلك الجميع..