عودة الروح

عودة الروح

عودة الروح

بقلم: أميرة العربي

عودة الروح .. المشعوذ
عودة الروح .. المشعوذ

نحيبٌ وبكاء يزيد القلب لوعة، تتسارع الأنفاس، يزداد الثقل، تقص عليه ما حدث لها وهي تعلم جيدا أنه يعلم ما ألَمَّ بها، وما مرت به من ابتلاءات

تنهمر دموعها حسرات وندم، ترتجف أمامه بشدة، فقد اشتاقت إليه كثيرًا، ولم تكن تتوقع أن يتقبلها؛ بعد ما حدث معها.

تقص وتسرد في حكاياها، تتوسل بكل ضعفها، تتحدث منكسرة:

– سامحني حبيبي، لقد نالت الدنيا مني، لم أكن أتوقع أن يحدث لي ما حدث، فبدايتها كنت أريد استعادة ذلك الملقب زوجي، لكي أرأب صدع حياتي؛ أنت تعرف أنه هجرني وبحث عن غيري؛ رغم أني كنت أعشق تراب قدميه.

المشعوذ:

حتى تعرفت على ذلك المشعوذ الملعون، أهداني الأمل بكلماته، ارتفع بأحلامي إلى عنان السماء، عرض علي أن يجلبه إلي ويعيده إلى بيتي، مكان عادي به العديد من التمائم والآيات القرآنية، رائحة البخور الزكية تداعب أنفي، يهديني الترياق المقروء كي أستعد لطقوس الجلب المنشودة، لم أدرِ وقتها ماذا كان يحدث لي سوى ارتخاء بجسدي، ثِقل يجتاح رأسي، أشعر بكل ما يحدث لكني مسلوبة الإرادة، لقد هتك ستري، وأزاح الأمان من حياتي، أمَا يكفي ما فقدته بفراق زوجي وإهانتي وقهري؟!

تنظر للأعلى تتحدث بقهر، تحمل بأعينها نظرات تمتلئ بالألم

– نعم، أعلم يا حبيبي، أنه من جهلي فلم أكن أعلم أن هناك شياطين متمثلة في البشر إلى هذا الحد.

تنهمر الدموع كسيول تجرف معها الذنوب والهموم، تحفر مجراها، تشق طريقها بلا هوادة، تحيط بها الذكريات المؤلمة، تلك المحادثات الهاتفية الليلية التي قتلت فيها ما تبقى من إنسانية، وكيف لا وهي في مجتمع إن تحدثت المرأة عما فعلوه بها الذئاب، قالوا عنها ما لذ من فواحشهم وطاب، وجعلوها بدلا من المجني عليها، جانية تحمل معها وصمة عار إلى يوم الحساب، يحيلون حياتها إلى عذاب سرمدي لا تعلم بدايته، وليس له انتهاء؟!

تتنفس لِتُكمل حديثها، وخزات من الألم تزداد بقلبها

– نعم، قد قام بتصويري، أخذ مني الكثير، ولا أعلم ماذا أفعل؛ لولا أنهم قبضوا عليه بعدما كشفته إحداهن، كم أغبطها على شجاعتها!

فكم تمنيت أن أفعل مثلما فعلت منذ أعوام!

تنظر أرضًا، تحمل في جعبتها العديد من القصص والروايات،

تتألم، تتذكر الأحداث

ينظر إليها متفحصًا تلك السمراء فارعة القوام، يأمرها بالجلوس متسائلًا عن بعض البيانات:

– اسمك؟

تجيب بتوتر ظاهر على صوتها، تهتز نبراتها:

– سمر سليمان

– السن؟

– ٣٥ عام

– ما يؤرقك؟

– أختنق كثيرًا، ولا يتركني البكاء، أشعر بضيق صدري، تراودني ميول للانتحار، لا أرى بداخلي حياة، فقط جسد بلا روح.

يشعر باختناق صوتها، يمد يده من خلف مكتبه بصندوق السجائر، سائلا إياها:

– أتدخنين؟

تومئ برأسها بالإيجاب، تسحب سيجارة تضعها بين شفتيها، تشعلها ثم تسحب نفسًا عميقًا باحترافية وإتقان، تُخرج من فمها الدخان بصورة مسرحية توحي بالدلال، تنظر إليه بعدما زال بعض التوتر، ثم تستكمل حديثها:

– لقد فعلت ما لم يتصوره إنسان؛ قمت بتجربة كل ما يجلب السعادة، ولم أجلب لنفسي سوى الشقاء.

نظراته توحي بما يجول بخاطره؛ أن أكملي:

– نعم سيدي لقد أدمنت بعض المخدرات، تعاطيت الهيروين، دخَّنت الحشيش والماريجوانا، ولم أكن أدمنهم؛ لقد كانت فقط تجارب كي أبحث عن السعادة المنشودة التي يتحدثون عنها، استغلني أحدهم وأهانني الآخر، سقطت في القاع ولم أجد مَن ينقذني، بل كلما حاولت الخروج، أجد من على رأسي يتكئ ليجعلني في غياهب جُب الضياع أغوص.

حاولت أن أنسى كوابيسي، لكنها كانت تزداد وتكثر.

صمت يتبعه صمت

قام وهو ينفض ملابسه من خلف ذلك المكتب متجها نحو الكرسي المقابل لها، ينظر بعينيها، يتناول السيجارة من بين إصبعيها بكل هدوء، قائلا:

– فلنحاول أن نقضي على السبب الرئيسي لكل تلك الأزمات؛ ألا وهو بعدك عن الله، وجهلك بالناس، أين زوجك الآن؟

– أنا كالمعلقة سيدي، منذ أعوام

– لماذا لم تطلبي الطلاق؟

– باءت محاولاتي بالفشل في ظل مجتمع عقيم، يجعل المطلقة مذنبة؛ حتى وإن طالبت بأقل حقوقها، يأخذون أولادها وليس عليها إلا الاستسلام؛ لا هي تستطيع أن تنفق عليهم إن كانوا معها، ولا هي تستطيع العيش بدونهم إن فارقوها.

مسحة من الحزن تعتلي صوتها

يكتب ملاحظاته بمدونته، يعطيها بعض المهدئات، يوصيها بالتقرب من الله، وقراءة القرآن.

دواليك، تتعدد الزيارات، يساعدها كل مرة في الخلاص من أسرها، نالت حريتها من ظل زوج لم يكن يتقي الله، وجدت وظيفة جيدة تستطيع من خلالها أن تنفق على أطفالها.

 تتذكر وتتذكر، فقد كانت جسدًا لا روح فيه، تلبي ما يملى عليها؛ كان يقول أنها خادمة له تؤجر بطعامها.

ألم يك يعلم أنها شريكة له في الحياة؟!

أليس كلام الله ورسوله أوضح من الشمس في السماء الصافية؟!

تتحدث بدموع الندم والتوبة:

– لقد استمر علاجي يا حبيبي، وبقربي وصلاتي شعرت أنني أستعيد حياتي، أستعيد روحي التي ضاعت مني، أرجوك، أتوسل إليك، سامحني، أنا اليوم بين يديك، خارت قواي.

ألمٌ يعتصر قلبي، ليس لي سواك حبيبي، لم يكن الطبيب النفسي سوى سبب لأستعيد نفسي، لأطهرها من آثام جعلت مني ما لم أكن أرجو أو أحب.

سامحني حبيبي، اغفر لي ما بدر مني، فأنا أعلم بكرمك وعفوك، ولولا رحمتك بي ما كنت دعوتني اليوم إلى بيتك، بجوارك، أهتف باسمك

أرجوك، فأنا بعفوك أستعيد روحي، يا الله، اغفر ذنبي، طهر قلبي، سامحني، أحبك ربي.

تزداد الترديدات من حولها:

(لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك)

ترفع رأسها لتنظر لتلك السماء، وهي متعلقه بستائر الكعبة؛ ترجو رضاه، تصرخ من داخلها بكل ما أوتيت من قوة:

يااااااا رب

تنظر لتلك اليد التي تربت على كتفها لتحتويها، فإذا به زوجها الطبيب النفسي..

 

عودة الروح .. المشعوذ

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top