الحلقة الثانية
الزرادشتية
تمهيد..
المعلومات المعروفة عن زرادشت قليلة جدا
لقد ولد في سنة غير معروفة بين القرن السادس والسابع قبل الميلاد، فى مكان ما بين اأذربيجان وإيران.
حارب زرادشت تعدد الآلهة الذي كان سائدا في عصره، وكان الناس وقتها يعتنقون الديانة (المثرائية) وهي ديانه شركية، تعتمد على التعدد.
ومعنى كلمة زرادشت (الجمل الأصفر) بالفارسية القديمة.
كان متزوجا ولديه بنت وولدان.
تقول الأسطورة أن زرادشت حين بلغ سن ال 30 نزل عليه الملاك الرئيس وصعد بروحه إلى (أهورا مازدا) الإله الأعلى، ومن ثم أصبح نبيا، وحمل الرسالة، ثم عاد إلى الأرض، وبدأ بعدها في نشر دعوة التوحيد، لكنه حورب بشدة من كهنة معبد (ميثرا)
فهرب في شبابه إلى قرية أخرى، ساعده أميرها واعتنق فيها الأمير مذهب الزرادشتية، وسمح لزرادشت بإقامة المعابد مما أعطى دفعة كبيرة للديانة.
ويقال أن زرادشت مات مقتولا من أحد المتعصبين لديانة ميثرا، طعنه بخنجر وهو داخل أحد المعابد.
وكان أعظم ازدهار للذرادشتية في كل من الدولتين الأخمينية والساسانية، أعظم دول الفرس، حيث بلغت أقصى اتساع لها،
وكان التواجد الأكبر للديانة في الشرق الأدنى (الهند، أذربيجان، باكستان، إيران، أرمينيا، أجزاء من الصين)
الأسطورة..
..
يقول زرادشت فى تعاليم كتاب الأدفستا أن لهذا العالم إله واحد هو الإله (أهورا مازدا) وتعني الإله الحكيم، وهو إله الخير الكامل، والنور المطلق، وهو حي لا يموت، وبلا شبيه ولا مثيل.
سيقوم الإله (أهورا مازدا) بخلق اثنين من المخلوقات غير الأزلية (سبتامينو) و(أهريمان) وهما مخلوقان لهما إرادة حرة؛
اختار سبتامينو الخير فصار (الروح القدس) واختار أهريمان الشر فصار (الشيطان)
ثم خلق الإله (أهورا مازدا) أرواح نورانية تدعى الاأميشا وكائنات نورانية أخرى صغيرة لمساعدة الأميشا، لكن أهريمان أو الشيطان الذى اختار الشر سوف يقوم بغواية بعض الكائنات النورانية الصغيرة، ويجذبها في صفه فتصبح (ديفا) أو ديفل، وهي ترجمة الشيطان في الإنجليزية.
وأصبح لدينا جيشان؛ جيش للخير له قائد هو روح القدس، وجيش للشر له قائد هو أهريمان أو الشيطان.
بعد هذا يقوم (أهورا مازدا) بخلق الإنسان، ويمنحه الإرادة الكاملة لاختيار طريق الخير أو طريق الشر.
وقد تحدث (زرادشت) عن وجود امتحان لمن يموت؛ يتم سؤاله فيه عن مسلكه ومسعاه في الدنيا، وهو يشبه سؤال القبر فى الإسلام، وهناك جسر يعبر عليه الناس إلى الإله، فمنهم من يعبر ومنهم من يسقط، ولديه يوم للحساب يشبه يوم القيامة، يكون فيه البعث بالروح والجسد، لكنه يختلف عن الإسلام في أنهم لا يؤمنون بأبدية الجحيم.
الطقوس والعبادات..
حافظ (زرادشت) على طقس تقديس النار من الديانة المثرائية، والنار في نظر الزرادشتية هي مخلوق سامٍ، تتجلى فيه قوة الإله (أهورا مازدا)
وقد بلغ بهم تقديس النار درجة أنهم يرتدون كمامات عند التعامل مع النار المقدسة، حتى لا تتلوث من أنفاسهم،
ويفترض بالنار المشتعلة في المعابد ألا تنطفئ أبدا، ولها كهنة مخصوصون يعتنون بها على الدوام، ولا يجوز لتلك النار المقدسة أن تظهر للشمس، أو أن تراها العيون غير المؤمنة بها..
لا رهبانية في الزرادشتية؛ فالرهبانية هي رفض لعالم الإله، وهي مثلها مثل الإغراق في الفسق، لا تجوز، وعلى الرجال الزواج والإنجاب، حتى يقوى بهم الدين.
ومن الطقوس.. تقديم الأضاحي، وخصوصا التضحية بثور، وفيه تأثر بعقيدة ميثرا الذي يذبح الثور.
ومن الطقوس أيضا.. تناول شراب مقدس من نبات الهوما، وهو شراب مسكر قوي، ويشبه هذا طقس (الأفخارسية) في المسيحية (تناول الخبز والخمر)
لديهم خمس صلوات يتم قبلها تطهير، وهي ليست صلاة كصلاة المسلمين، وإنما هي تشبه صلوات السواعي فى المسيحية، وهى كلمات وأدعية لا يشترط فيها الخشوع أو أداء حركات معينة أو حتى التوجه للقبلة.
في الزرادشتية ليس هناك عدد محدد للزوجات، ويستطيع الرجل الزواج بأي عدد يريد، والزواج بين المحارم مسموح عندهم، ولا طلاق فى الزرادشتية إلا في ثلاث حالات (الزنا، السحر، الارتداد عن الدين)
نظرة الزرادشتية للموت غريبة، فهم يرون أن جسد الميت يصبح شيئا نجسا شديد التلويث، ولا يجوز دفنه في الأرض، ولا رميه في البحر، ولا إحراقه بالنار، حتى لا نقوم بإيذاء الطبيعة، فاستحدثوا طريقة عجيبة للتخلص من جثث الموتى وهي (الداخما) أو (أبراج الصمت)
انظر الصور
حيث يتم حفر حفرة كبيرة في أعلى تلة أو جبل، وفي أماكن نائية بعيدة عن الناس، ويتم تسويرها بجدار له باب وحيد، وتوضع فيه جثث الموتى؛ دون غسل أو كفن، تفترسها السباع وتنهشها الطيور الجارحة، ولا يبقى منها إلا العظام.
يحتفل الزرادشتية بأيام معينة مثل (الولادة، البلوغ، الزواج، الحمل، الموت) وأكبر أعيادهم هو عيد النوروز.
وقد استحدث كهنة الزرادشتية طبقات اجتماعية لا تختلط أبدا.
الشاهد..
أن تعليمات زرادشت نفسه كانت نقية توحيدية، لكن تقادم العهد وتعرض كتاب الزرادشتية المقدس للتدمير أكثر من مرة، وإعادة كتابته سهل عملية التحريف والتبديل والتغيير، كذلك محاولة كهنة الزرادشتية تكييف موضوع (الشر) بأنه لا يجوز أن يخرج من إله الخير، فجعلوا للشر وجودا مستقلا مما أوقعهم فى فخ الثنوية أو المثنوية (عبادة إلهين متضادين)
المجوس..
من أوائل من آمنوا بزرادشت قبيلة (المجوس) الفارسية، وهي قبائل بدوية رعوية، كانوا من أشد داعمي تلك الديانة، وأصبحوا كهنة لمعابدها فيما بعد.
والمجوس هي التسمية التي سمي بها الزرادشتيون في الإسلام.
تقول رواية أخرى أن كلمة مجوس مأخوذة من ماجيك، وهو السحر، وكان حكم الإسلام على المجوس هو حكمهم على أهل الكتاب اليهود والنصارى، فتقررت عليهم الجزية مثلهم.
الكتاب المقدس..
..لدى الزرادشتية كتاب مقدس واحد هو كتاب (الأفيستا)
وهو مجموعة من التعاليم والنصوص الأناشيد المكتوبة باللغة الأفيستية المندثرة، يتكون الأفيستا من 21 جزء، ومعنى الكلمة (الأساس- الأصل- المتن)
وقد تم تدمير الأفيستا الأصلية، وكانت مكتوبة بماء الذهب على رقاع من جلد البقر.
حين دخل الإسكندر فارس فاتحا سنة 330 قبل الميلاد، قام بإحراق (الأفيستا) وتدمير معابد الزرادشتية، وكل الناس تسمي الإسكندر بالأكبر أو الأعظم، لكن الفرس وحدهم يسمونه (الإسكندر الملعون) لأنه خرب بيتهم.
تم إعادة كتابة الأفيستا مرة أخرى، ولكن بعد تبديل وتحريف، ويعود أقدم مخطوط للأفيستا إلى عام 1258 ميلادية، وهي فترة بعيدة جدا عن سنة ولادة زرادشت نفسه، مما يفتح الباب على مصراعيه لتغيير النص.
يتكون الأفيستا من كتابات مختلفة دون رابط، وهي بقية من تراث أدبي أوسع بكثير، لكن أهم أجزاء الأفيستا هو (الياسنا) أو التسابيح والأغاني والترنيمات والتراتيل، وقد كتبه زرادشت بنفسه، وباقي الكتاب تم كتابته على يد قديسين وكهنة آخرين.
شبهة تاثير الزردشتية على الديانات السماوية..
صحيح أن الزرادشتية أقدم من المسيحية والإسلام، لكن لا يعني هذا أن الإسلام والمسيحية استقيا من الزرادشتية، فبمتابعة التاريخ نجد أن أغلب نصوص الزرادشتية التي تحتوي على الطقوس والتعاليم كتبت في وقت متأخر جدا، بعد فتح فارس ودخول الإسلام إلى كامل ربوع إيران، وتشبع إيران بالحضارة العربية الإسلامية.
تمت كتابة تلك النصوص الزرادشتية من قبل أشخاص تأثروا بالاسلام، ومن هنا جاءت الشبهة؛ لقد تأثرت بالإسلام وليس العكس، ولا يجوز مناطحة الإسلام بالزرادشتية، فليست هناك فترة في تاريخ هذا الكون ثم تمحيصها وتدقيقها مثل فترة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصر صدر الإسلام الأول.
لا يزيد عدد معتنقى الزرادشتية عن 200000 منهم 25000 فى إيران و125000 فى الهند، والباقي موزعون على الدول القريبة من إيران والهند
بخصوص كتاب (هكذا تكلم زرادشت) تأليف فردريك نيتشة، ليس له علاقة بزرادشت، وإنما كلها أقوال وآراء نيتشة، لكنه قالها فى الكتاب على لسان زرادشت.