طبيب جراح  بقلم: أميرة العربي 

طبيب جراح 

طبيب جراح  بقلم: أميرة العربي 
طبيب جراح  بقلم: أميرة العربي
طبيب جراح

بقلم: أميرة العربي

هنا لا أحد يعرف أحدا؛ لكننا نعرف أنه لا مفر، ولا مجال للنقاش، لا جدال ولا نمتلك رفاهية الانهيار، نرى الموت بأعيننا ليل نهار، تولد الحياة من رحم الموت؛ صغير بلا أم، وجنين يخرج للدنيا منقطع الأنفاس، لأم قد سبقته إلى الجِنان.

أرجل مبتورة، وأيدي بعضها يحتضن كتاب الله، وبعضها يحتضن الصلبان؛ الحرب لا تعرف دينا وليس لهم إله، البعض فارق الحياة محتضنا أبناءه، والبعض الآخر أشلاء نجمعها في أكفان؛ لا نعرف صاحبها إلا من اسم قد كتبته الأم على أرجل وأيدي أبنائها؛ كي يدفنوا سويا حين قصف ونيران وأسلحة محرمة، لكن لا عين ترى ولا أذن تسمع، وألسنة مقطوعة، ولا حياة لأصنام؛ إن اجتمعت على الحق لسادت وجادت، وكانت مرفوعة الرأس بلا منازع.

الله أكبر

الله أكبر تملأ الأرجاء، ولا أحد سوى الله ينقذنا، ويغنينا عن سؤال لئيم ينطق بذات اللغة، ولا جبان يندد ويشجب، ويصيح كالديكة، ويخنع كالحِملان.

آاااااه… تخرج من المصاب والمعالج، نقف بين الهدم والردم، نخيط الجرح بلا مسكن، ودمع يُذرف، وأنين يحرق القلوب والأعصاب.

– آااااه… رجاء يا طبيب.. قم بعلاج أخي أولا، فهو أكثر مني ألما، ولن أرتاح قبل أن ينام

– هششش.. صمتا وتحمل، فأنا أُخيط جرحك الآن

– لا أشعر بقدمي!

نداءات من بين الجثامين:

– أين ابني؟

– أين أبي؟

– لا أجد أمي!

– هذا حذاء أختي

– صبرا صبرا، فكل له كفنه، وكل له مكان، وطريق متسع ليصل كل منهم إلى مقامه في جنات؛ لا قتل فيها، ولا كذب، ولا تدليس، ولا خذلان…

– سنلتقي أيها الصغير المشاكس، يا من فقدت عقلك فعليا، وها أنا أضعه مكانه كي يصاحبك في لحدك!

غبار القصف

أحدهم ينادي علي، لكن غبار القصف قد منع رؤيتي، احتضنت الصغير الذي كنت أعالج جرحه، صرخات غطت مسامعي، بعد صوت انفجار عنيف؛ أسقط السقف ودمر المكان!

صمت يتبعه صمت، والصرخات قد اختفت، وقد اختفى الأنين من المشفى، واختلطت الخرسانة بالدماء، ولحم لم يكن مكتوب له على يدي الحياة مرة أخرى!

صوت دوي آخر؛ لكن لم يعد له أهمية، ولم تعد ترتعد له الفرائس!

نحن الأحرار

فقط أرى النور يخرج بأجسادٍ عَفيِّة ناظرة إلى السماء، أحاول أن ألحق بها؛ مغمضا عيني من شدة جمالها، أفتح عيني وأجدني على سرير بلا مُخَدِّر، بلا إمكانيات، يعالجني أحد الزملاء حامدا الله على استفاقتي، علمت بعدها أنني بلا ذراع وبلا ساق!

أي كرم هذا يا الله، فما زال لسان أساعد في العلاج به، وما زالت كلماتي تحيط اليتامى والجرحى والثكالى، لتجعلهم ينظرون إلي، فيحمدون الله؟!

نحن لم نُحتَّل؛ بل نحن الأحرار.

معكم من أرض العزة؛ “طبيب جراح”

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

طبيب جراح طبيب جراح طبيب جراح طبيب جراح

طبيب جراح  بقلم: أميرة العربي 
طبيب جراح  بقلم: أميرة العربي ريمونارف 2023

يمونارف

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top