شماعة هذا الزمان بقلم: شيماء عبد المقصود

شماعة هذا الزمان

شماعة هذا الزمان بقلم: شيماء عبد المقصود
شماعة هذا الزمان بقلم: شيماء عبد المقصود
شماعة هذا الزمان

بقلم: شيماء عبد المقصود

شماعة هذا الزمان

تعودت ألا أحكم على الأشياء من منظور واحد، ولا يستوعب عقلي لغةً لقراءة الأحداث وترتيبها إلا بطريقة واحدة؛ ألا وهي التعمق في المشهد، وتكبيره بصورة أوضح تحت مجهرٍ استشعاري، هي ليست وليدة اللحظة لكنها بالفعل تطورت بمرور الأيام؛ بقدر ما تحصلت عليه من التجارب والمواقف، ومضمار الأحداث، وربما تكون أيضًا تلك النظرة بعيدة المدى، لكن لا بأس، فلا أطمح إلا أن تكون أكثر من ضوءٍ أحمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو ربما اعتبره صفارة إنذار لتجنب العثرات قبل الوقوع فيها لتغيير مسارٍ ما.

وليد الحياة

ومما لا شك فيه، أنها جعلتني أتجشم المخاطر بقلبٍ من حديد، غير آبهة لما قد ينجم بعدها يقينًا مطلقًا بأن “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” حتى أني حاولت التغاضي عنها في بعض الأمور التي لا تستحق توسيع رقعتها، وفي النهاية أجدني _آسفةً_عدت من حيث أتيت، وكل محاولاتي معها باءت بالفشل، هذا مما يؤكد لي أننا قدر؛ لم نختر ذاك الإنسان الذي يقف أمامنا في المرآة، فإن تُحرك ذراعيك يقلدك بصورته المقلوبة، أو إن تخطو خطوة للأمام أو للخلف يوافقك الأثر في أي اتجاه كيفما تشاء، فضلًا عن ذاك المخلوق وليد الحياة القابع بداخلنا عمدًا ويوجهنا ببوصلته الاستشعارية، ومع ذلك هو لم يجبرنا على تنفيذ استنتاجاته لأي أمر من الأمور!

قِبلة داخلية

فهذا من جهته، أما من جهتنا، فنحن لسنا بمسيرين وراء المثالب السيئة، ولا المناقب النبيلة التي يعرضها علينا؛ بل نحن مخيرون بينهما، وعلينا أن نتحمل تبعات أوزارنا أو براءتها؛ ليس من أجل اكتمال صورة ذاك المخلوق التي ستنعكس على أخلاقنا أمام الناس وحسب؛ بل إنما من أجل اكتشاف قبلة داخلية نتوجه إليها ومن خلالها، لكل ما يُذهب عنا شرور أنفسنا واجتناب بواعثها؛ خفيةً أو علنًا.

شماعة هذا الزمان
شعور غريب

تحضرني الآية الكريمة التي قال فيها الله تعالى: “ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك”

هناك شعور غريب فرض نفسه علينا باجتياحٍ مُدمي هذه الأيام، ودون سابق إنذار إثر أحداث عصيبة للعالم عامةً، ومحض فرض واجب الدفاع عنه، وحجة إما لنا أو علينا جميعًا يوم (العرض الأكبر) نحن العرب خاصة، وبالطبع قد ترتب على هذا الوضع واقع كلنا بصدده الآن، نعايشه لحظة بلحظة، كلٌّ يُعبر عن رأيه ووجهته التي يؤول إليها في ذاك الحين، وبغض النظر عن أولئك المتحذلقين الذين لم يُكلفوا أنفسهم كلمة واحدة توضح موقفهم؛ “مع أو ضد” رغم أنهم كانوا أولي الحل والعقد عند جمهور معجبيهم ال(fans) باختلاف أعمارهم وأجناسهم، الذين كانوا في ذاك الوقت في احتياج لمن يمد لهم يد العون ليوضح موقفهم الحقيقي كعرب تجاه القضية الفلسطينية، التي لم يسمعوا عنها ولا تذكر لهم إلا من خلال مناهج الدراسة، أو ربما محض صدفة بأي مناسبة سياسية؛ في حين باتت بحور تنزف شرفًا وتنازع الموت انتزاعًا ليلَ نهار، وشباب مثلهم تعاهدوا مع الموت بخطى وتيدة على أرضهم؛ للدفاع عن قضيتهم حتى آخر نفس.

شماعة هذا الزمان
الوعي الديني

ومن الواضح أن هذا التشدد النقيض لدى بعض ال(famous) ومن ثَم للمشاهير من فئة الفنانين _لا أسكت الله لهم حسا_ بعد تلك الأحداث ما كان إلا لدواعٍ أمنية.

وبعضٌ آخر اتخذ من القضية كيانًا عقائديا بحتًا، لا يمكن المساس به، وهذا في حد ذاته أمر واجب؛ ولا يختلف عليه اثنان.

لكن انظر لاثنين هنا؛ هي المقصود بها أنهما على نفس درجة الوعي الديني بالعقيدة، عقيدة ديننا السمحة التي صارت بين عشية وضحاها حديث مدينة الأغراب، على حد تصوري للوضع الراهن الذي نعيش فيه الآن، بعدما انشطرنا نصفين؛ نصف أخذنا إلى منعطف مذبذب؛ يشكك الجميع في جذور عقيدته التي لا ريب فيها كمسلمين موحدين بالله الواحد الأحد، ونسوا أن القضية تُعرض الآن بوجهها الحقيقي، جاهرةً أمام شباب معظمهم من جيل الألفية، والألفية الثانية الذين كانوا ينظرون للقضية لمجرد أنها منهج بحت؛ يُدرس ويُحفظ كما ذكرت سابقا، وليس من أجل منطلق محدد، أو مبدأ فرض وتكليف عليهم كما هو الآن.

شماعة هذا الزمان
جيل الانترنت

نسوا أن هؤلاء الشباب هم جيل الإنترنت؛ الذين غزوا العالم بقطعة من حديد لا تتعدى كف اليد التي تحمل إياها، وهم جالسون لم يبرحوا أماكنهم!

نسوا أن هؤلاء ينقصهم الكثير عن فهم لب القضية من نواح كثيرة، منها الناحية العقائدية كفرض، والتضاريسية المنهوبة، والتاريخية؛ وإن كانت هي أهمهم على الإطلاق بعد تحريفها على مدار التاريخ.

ألا ترى معي أن كلمة (فلتراجع عقيدتك) كانت تحتاج إلى أن نراجع أنفسنا أولا قبل الآخرين، والمعول في هذه الحالة كان لا بد من أن يطرحها بطريقة تُحبب وتقرب الشباب من عقيدتهم؛ بدلا من أن تمسك بمطرقة تطرق بها على رؤوسهم، كي يفيقوا _على حد قولهم_ بالرغم من أن عقيدتنا الإسلامية تحثنا على التكاتف والترابط في السراء والضراء، وتحث كل داعٍ يدعو إليها بأن يتوسم البشاشة والصدر الرحب، ليؤجر أجرًا حسنًا على توجيه هذه الكتلة الشبابية توجيهًا

حق التشريع

صحيحًا، و يُشعل فيهم شعلة الجهاد، ويبث فيهم روح المثابرة؛ بدلا من أن ينفضوا من حوله بلا رجعة؟!

قال تعالى: “وجادلهم بالتي هي أحسن”

أي: من احتاج لمناظرة وجدال؛ فليكن بالوجه الحسن، وبرفق ولين، وحسن خطاب.

فلماذا نعطي لأنفسنا حق التشريع في مصائر الناس؟!

نطوعها على حسب تصوراتنا؛ فمن يتبع هذا النهج سيدخل الجنة، ومن يعترضه سيدخل النار، فأنى يُستجاب لنا؟!

شماعة هذا الزمان
أضعف الإيمان

والشطر الآخر ولد من رحم المعاناة، على وتيرة الأحداث التي تفاقمت نتيجة الصراع الوحشي للعدو الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، شباب فهمت القضية باقتدار، وتفهمت موقفنا كعرب حيالها على ساحة الأحداث، وما يؤخذ بعين الاعتبار؛ للثبات على المبدأ ولو بأضعف الإيمان مثل “المقاطعة” أي مقاطعة كل منتجاتهم على حد سواء؛ الإسرائيلي أو حليفها الأمريكى، وعلى الجانب الآخر، طفت آراء هزلية، وأفكار تناولت الموضوع بمنطق “الترندات” لكن الحق يقال؛ بغض النظر عن المحتوى وما يقدمه، فالحشد الهائل من التعليقات التي تحمل أدعية، ومساندات معنوية لإخواننا بفلسطين الحبيبة على قلبٍ واحد وبلسان واحد من كل أنحاء العالم، رغم اختلاف اللغات والجنسيات تجعلك تهون على نفسك، وتفتح أمامك أفقًا جديدًا بأن “القضية الفلسطينية ” أضحت تنير قناديل عقول كانت في غفوة؛ بل والأصح غفلة؛ التي كنا خاضعين لها بالتنويم المغناطيسي تحت مسمى “السلام العالمي”.

النقلة المُفاجئة

الآراء كُثر، في هذه النقلة الغريبة المُفاجئة للعالم، حتى بلغت أضعاف أضعاف ما كنا نتصور منذ لحظة البدء، وبالتحديد منذ يوم 7 أكتوبر 2023/ تشرين الأول

حينما شنت كتائب الق سام هجمتها الأولى على العدو الإس رائي لي تحت اسم “ط وف ان الأق صى” وحتى يومنا هذا، ما أن تنشب هجمة أو أخرى من العدو الغاشم على أي منطقةٍ بفلسطين، يتبعها على الفور صور من أبشع ما يتصور العقل، وأصوات استغاثات تنزف لها الأعين بدلا من الدموع دما، فماذا نقول للأرقام إذا سجلت جرحى مسلوبي الإرادة والسلاح، أمام عدو غاشم أيسر ما يكون له أن يضغط على زر يوجه به صاروخًا أو عدة صواريخ أينما شاء من وراء شاشة؛ وهو لم يبرح مكانه بعد؟!

معاهدات

أم كيف سنُحصي ونعد الشهداء الذين استشهدوا تحت أنقاضٍ باتوا يصرخون تحتها، كي ينقذهم أحد، ولا حياة لمن ينادوا؟! ثم عذرًا شديد الأسى أيها الشهداء، لأننا ما زلنا مكبلين الأيدي ببروتوكولات، ومعاهدات، وهلم جرا؛ رغم المجازر الإنسانية التي تُعرض أمامنا ليل نهار، فمن نجا كر، ومن كر فرَّ، ثم إن الشهادة تحت أنقاض بيوتكم أشرف لكم وأطهر، ولن تكلفنا سوى آلات حفر بدائية للتنقيب عنكم؛ إن وجد، وكفن أبيض كلون قلوبكم؛ نلملم فيه بعض من أشلائكم، فذاك وربي أفضل وأكرم لكم من الشهادة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وهم يسعفون الناجين منكم، كما حدث “بمستشفى المعمداني” الذي سيكلفنا أمام الله الكثير والكثير!

تركو الحمار وأدبو البردعة بالضرب

(تركو الحمار وأدبو البردعة بالضرب)

أعزكم الله؛ هذا ليس سبا ولا إهانة، هذا مثل شعبي “فلكلور شعبي” دارج عندنا في القرى المصرية؛ يقال أو يطرأ على الأذهان لحظة أن يطابق موقف ما فنضطر أن نقوله قصدًا وعمدًا؛ ليكون بمثابة رد فعلي وفوري مختصر لكلام كثير كان من الممكن أن يقال في ذاك الحين، نحن بصدده الآن، نوجه نحو القضية سهامًا ضاربة في اتجاه معاكس لغير الهدف الحقيقي، كما فعل أشياعنا في حكاية الحمار والبردعة التي كانوا يعاقبونها؛ ضربًا بالعصا بدلا من الحمار؛ تبرمًا وتذمرًا من سوء فعلها كما كان يتهيأ لهم، وتركوا الحمار الأحمق الذي كان يطرح الناس على الأرض؛ محدثًا بهم الإصابات البالغة، ويتلف زادهم الذي يقع من على ظهره كل مرة، ولا يتوانى الشجعان من الرجال عن ضرب البردعة في كل مرة؛ رغم أن الصورة واضحة ولا تحتاج إلى شرح!

وجهات نظر

وهذا بالضبط ما اقترفناه في حق أنفسنا وحق أناس لم يكن لهم في القضية نصيب أكبر من نصيبنا، لمجرد أنهم ذوو شهرة عالمية، وصيتهم ذاع بالعالم، وسلطانهم الذي تحول مئة وثمانين درجة كما تزعم بعض وجهات النظر، ولم يقع في أذهانهم ولو للحظة، أن هذه دواعٍ أمنية خارجة عن إرادتهم وقبضة نفوذهم، وبمعنى آخر؛ أننا قد ضخمنا الموضوع وقذفنا بالكرة في ملعبٍ ندفع بها شوطًا وراء شوط، ومحاولة وراء محاولة في قضية الأمر فيها محسوم، ولا فضل فيها لمجدٍ وسيادة على من ليس له إلا بالتقوى، والإيمان بأن القضية هي” ثأر واجب النفاذ للجميع”

 الكرامة والشرف

إذًا “محمد صلاح” أو غيره سواء فنانون، أو لاعبون مشاهير مثله، فقد ثبت لنا بالتجربة الحية أنهم مجرد حبة من حبات العقد، كلنا ندور في فلك واحد، كلٌّ منا يشع ضوؤه في مساره الخاص ليدافع عن القضية من مكانه، ويستغل مكانته الخاصة في قلوب شعوب العالم، وذاك ما كان جليا منذ الوهلة الأولى خلال الكلمة القصيرة التي ألقاها محمد صلاح، وتُرجمت على منصات التواصل الاجتماعي، والتليفزيون العربي والأجنبي ترجمة حرفية، إلا أننا استهدفنا بعض الكلمات التي لا ضير فيها، وأخذناها على محمل الكرامة والشرف، رغم أننا _العرب_ كنا أصحاب الفكرة، وإن كنت أرى أن معظم سكان هذا الأزرق، كانوا ينتظرون تلك اللحظة التاريخية على أحر من الجمر، ويعدون الدقائق والساعات في انتظارها، وبالرغم أنه حدث بالفعل ما كانوا يأملونه، وبالرغم من أن توجهها المقصود كان للشعوب الغربية، وحقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة، إلا أننا كعادتنا انتقدنا ما يشبع شكوانا، ويطيع ذائقة الاصطياد في الماء العكر، وقذفناه برمته في هاوية الانتقاد والاستنكار، بل ورفضنا أنصاف الحلول التي كانت بمثابة رسالة بحتة موجهة للغرب. وماذا بعد، أيها العرب؟

وماذا بعد، أيها العرب؟

شغلنا أنفسنا بقضية “محمد صلاح”

فاللهم اغفر لنا انشغالنا “عن القضية الأم” قضية فلسطين الحبيبة.

هل سيكون ذاك هدفنا الأوحد تجاه قضية مصيرية كهذي؟! أم أننا ننتظر فلان وعلان؛ ليقودنا وهو ليس بأهلٍ للقيادة في تلك النقطة بالذات؟ لسبب بسيط جدا، وهو أن هذا ليس مجاله وليس بموقعه، ومن المفترض أن يكون بمكانه الصحيح في ساحته الحقيقية؛ التي من خلالها سيُنتفع به أكثر ماديا ومعنويا تجاه القضية، فضلًا عما سواهم؛ أولئك الذين ربطوا أحزمة الأمان وفروا قبل أن نُزايد عليهم..

التهم والإشاعات

وجاء دور العقاد، ليعرض علينا بعضًا من حيثياته التي تؤخذ بعين الاعتبار، أو ربما تكون برهانًا على أن في كل عصر قذيفة ذرية مشؤومة على حد قوله؛ تُرمى عليها التهم المرتجلة، أو شماعة نعلق عليها علة نواقصنا وعجزنا عن مواجهة الحقيقة، ويا لها من أسباب موقوتة كتلك “القذيفة الذرية المشؤومة” التي تحدث عنها العقاد في هذا المقال، وهو يشجب بشدة تلك التهم والإشاعات التي نصبها الناس، بل العالم ككل أثناء الحرب العالمية الأولى على القذيفة الذرية؛ رغم أنها بريئة من كل التهم التي نسبت إليها، حيث حملوها مسؤولية اضطراب الجو؛ أيام الحرب العالمية الأولى؛ الذي كان بالصدفة البحتة مع مجريات الحرب، قائلًا:

شماعة هذا الزمان
القذيفة الذرية

“كنت في أسوان إلى أمس الأول، فسمعت التهمة بعد التهمة تنصب على القذيفة الذرية؛ التي وصلت ببردها الخارق على خلاف العادة إلى أسوان، ثم عدت إلى القاهرة فوجدت القذيفة الذرية في كل “قفص اتهام” ولا استثناء لمن كانوا يتهمونها منذ بضعة أعوام بالنار والضرام!”

ثم عبر عن رأيه في النهاية ساخرًا:

“لماذا تبطل التجارب العلمية حول هذه الذرة؛ إذا كان من الجائز أن تبدل لنا جو الصيف وجو الشتاء، وأن نضع أيدينا على زمام الأهوية والأنواء؟!

فتحًا جديدًا

أليست هذه القدرة كسبًا للإنسان، وفتحًا جديدًا له في هذا الزمان، لعله بقية من زمان سليمان، ومن سلطان الإنس على الجان؟!

شماعة هذا الزمان بقلم: شيماء عبد المقصود

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان شماعة هذا الزمان

شماعة هذا الزمان بقلم: شيماء عبد المقصود
شماعة هذا الزمان بقلم: شيماء عبد المقصود

يمونارف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top