حنين الذكريات
بقلم: بانسيه محمد فضل
حنين الذكريات
دقت الساعة الخامسة مساء، نهضت من قيلولتي كالعادة، ارتديت القميص الزهري نفسه الذي تحبه، وتعطرت بعطري الذي تفضله.
خرجت مسرعا كي لا أؤجل موعدي اليومي مع بائع الورد الجوري، وابتعت وردةً جورية كلون شفاهها الجذابة، وأوراقها شديدة الخضرة كعيونها الزمردية.
أسرعت لمنزلها، تسارعت دقات قلبي وأنا أضع وردتي في نفس المكان بمقبض هذا الباب الأزرق العتيق، وقد علته خيوط العنكبوت، واتخذت العصافير به أعشاشا لها، لكنه ظل شامخا كالوتد، شاهدا على أجمل ذكرياتي معها.
هنا كانت تنتظرني بثوبها الأبيض المطرز بخيوط الذهب، كخصلات شعرها الحريري التي تطل من وشاحها الزهري وهي تقف خجلى؛ حين تسمع مني كلمات العشق والغزل في مفاتنها، فتحيك منها عقدا من مشاعر لا تنسى، وسوارا من عشق لا ينتهي قبل أن تختفي من حياتي
وددت لو أن بوسعي أن أعيد الزمن، وأمسح تلك الحقبة التي تخلو منها، تمنيت أن تعود من جديد لأحضاني.
سمعت صوت أقدامها يقترب بالداخل لتفتح هذا الباب الأزرق، وشاهدتها كما هي لم تتغير براءتها، لكن هذه المرة ارتدت ثوبا أسود كئيبا، وتبدل لون وجنتيها للون باهت، وانهمرت دموعها الفضية لتزيدها شحوبا وحزنا.
نظرت لذلك المقبض لتبحث عن وردتي الجورية، وتنهدت في حسرة، حاولت أن أنطق باسمها وألوح بيدي؛ لكنها لم ترني، لم أفهم السبب إلا حين سقطت عيني على خبر تلك الجريدة القديمة؛ الملقاة بجوار باب منزلها، والمبللة بدموعها.
حين رأيت صورتي ومدون تحتها خبر وقوع حادث مفجع على طريق بلدتنا، حينها أدركت أنني من تركتها، وأن الزمن الجميل لن يعود؛ حتى لو ظل حنين الذكريات بالقلوب.
لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف
لمتابعة كل ما هو جديد من هنا