جميع الخيوط الآن في يدك بقلم: رغد النابلسي

جميع الخيوط الآن في يدك

جميع الخيوط الآن في يدك بقلم: رغد النابلسي
جميع الخيوط الآن في يدك
جميع الخيوط الآن في يدك
بقلم: رغد النابلسي
لو طُرحَت الأمور بين أيدينا، وتُرك لنا غربلتها وانتقاء ما نودّه، لو وُضعَت خيوط التعقيدات في أكفّنا وقيل: حلّوها؛ لا كنوعٍ من التحديات، بل كمساحة من الحرية، دون تصحيحٍ خلف حلّنا، ولا توجيه لمسارنا.
لو أن تشابكات عمرنا أصبحت بالكامل تحت سيطرتنا نحرّك أحجاره أنّى نشاء.
لو حدث ذلك..
أكنّا سنجد السعادة؟ ونضع أيدينا على صندوقِ الطمأنينة بنفائسه الباهظة؟
لو اتسعت مساحة حريتنا في تقرير مصيرنا.. ألن تتسع معها مساحة المسؤولية؟ ألن يختفي عنصر المفاجأة؟
فنحن من نقرر، وندري _بجهل كبير بالعواقب_ ما نقرره، وحين نتخذ القرارات، ونهندسُ الأحداث، ستُحذَف مفردة المجهول، وستُحذف معها أحاسيس الجهل الحلوة، فبعض الجهل مستطاب، والمعرفة كثيرُها يصيبُ العقل بالدهون، فدسمُها لا يُهضَم ما لم يُلطَف بقليل من الغفلة والنسيان والجهل.
مقدرتنا على القرار ستضعنا وجها لوجه أمام معرفة من هذا النوع، ونحن بشريّون، مَعِدات فهمنا غير مخوّلة للتعامل مع لب التيقظ الكثيف بالغد.
بدون أن نلقي رؤوسنا على الوسائد، والغدُ احتماليّ في خيره وشرّه.. لماذا كنا سنعيش؟ لو أن خيره محسوم لملّ الناس، ونحن يروق لنا القلق، ولو أن شرّه محسوم لحسمنا حيواتنا بالرحيل، أو لقفزنا ليومنا النهائي، لحلقة عيشنا الأخيرة، فخُضناها، وختمنا مسلسل الأيام!
عجزُنا ومحدودية ما نستطيعه يجعلاننا بشرا، لولا حاجتنا لنُرعَى ونُحتضَن، ونَسألَ ونستشير حول صحة ما نفعله، لولا هذا الافتقار للسؤال، ولولا إحاطتنا الضيقة بأي موقف، والتي تجعلنا نتوقع عدة نتائج دون البتّ بالنتيجة الحتمية النهائية إلّا حين التجربة، لولا كلّ ذلك لما كنا بشرا.
نحن مجبولون على بشريّتنا، لدينا عقلٌ مذهل يمكنه تخيل كلّ الاحتمالات الواردة، وبالمقابل.. هو عقل قاصر عن حَزْر الاحتمال الوحيد الذي سيجري، فيقع فوق رؤوسنا أو يرفَع رؤوسنا إلى السماء!
مريح أننا لسنا موكلين بالغد، وكلما ازداد عنادنا على توكيل أنفسنا به كُفينا الراحة، وكلّفنا أنفسنا بما لم نكلف به، وكلما فعلنا ذلك فشلنا، فشلنا في فكّ الخيوط، وسقطنا سقوطا مروعا في عملية الغربلة، وأخفقنا في تحديد ما نودّه، لكثرةِ المتاح، وارتفاع نسبة الحيرة.
هكذا نحن.. نفكر ونخطط، لكن جُل نجاح الخطط في أننا عَمُون عن ختامها.
وفي كثير من الخيارات المفصلية في حياتنا، وبعد أن نحسب جيدا، ونؤدي ما علينا مِن التمحيص، نجد أنفسنا ارتمينا على أريكة وثيرة من الجهل المريح وهتفنا:
إلى هنا تنتهي إمكانياتنا، فليحدث ما يحدث، قدّمنا الأجوبة، وحمدا لله أن التصحيح ليس علينا، فحل الأسئلة حسبما يبدو، أسهل من تصحيحها!

 

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top