المواجهة بقلم: مونيا بنيو منيرة

المواجهة

المواجهة بقلم: مونيا بنيو منيرة
المواجهة بقلم: مونيا بنيو منيرة
المواجهة

بقلم: مونيا بنيو منيرة

الحلقة السابعة من سلسلة حلقات ظلم سيلا

كان غضب ليث كالطوفان؛ جعل كل ما حوله يرتعد. كان كمن أصابه الخوف والجنون، والحيرة والغموض، اللذان يلفان الموقف الصعب الذي كان فيه. فما كان منه إلا أن اتجه إلى سيلا سائلا إياها بكل غضب:
– ألم يحن الوقت لتفكّي شيفرةَ هذا الاجتياح الهمجي غير المعقول؟!.

مشاعر متدفقة

ولأول مرة تنفجر سيلا باكيةً من حجم الحب والعطف الذي يلفها.، لم تتمالك نفسها وهي تبكي كالأطفال، دون أن يستطيع أحد إيقافها. كانت تشهق شهقات يتزلزل لها الوجود. تبكي بحلاوة لم يعهدها قلبها، وكأنها تغسل بدموعها كل الحقد والترسبات التي علقت بقلبها. ورغم محاولة ليث ووالدته إيقافها؛ إلا أنها آثرت أن تنعزل لتشبع روحها العطشى من سيل هذه المشاعر المتدفقة التى حُرمت منها.

صمت مهيب

أغلقت باب غرفتها، واستمر أنينها وبكاؤها لساعات. كان ليث يشعر بالندم لصراخه وتذمره، الذين كان يعتقد أنهما سببا لبكائها. وما إن اقترب المساء، حتى اقتربت سيلا من ليث وأمه بخطوات فيها الكثير من التردد، ثم جلست، ورانَ صمتٌ مهيبٌ لبعض الوقت!.
تنحنحت واعتدلت، ونظرت إليهما بعينين لامعتين، يملؤهما المحبة والأمان والكثير من الامتنان. ثم قالت:
– لم أعتقد أن الله سيعوضني كل هذا الكم الهائل من الدفء والحب، الذي لم يألفه عقلي أو قلبي في البداية. ما كنت أعتقد أن ألطاف الله أكبر وأوسع من حقد وجبروت البشر، وأن تعويضه يفوق كل التصورات!.

أم ليث

كانت أم ليث تشد على يدها، وكانت كلماتها كالشراب البارد المنعش في يومٍ حار يروي الظمأ.
وليث بوجهه المتعب يفتقد لبعض الدفء الذي لم يعرفه منذ سنوات. وكأنما الله يعوضهما بشراب سائغٍ، لذة للصابرين. ثم تغيرت ملامحها واشتد غضبها، وهنا تدفقت حمم بركان سرِّها المدفون في أغوار قلبها الصغير، الذي أثقلته الصعاب والمكائد. كان غوصها في تفاصيل الماضي هو الفيضان الجارف، الذي قررت أن تُغرق فيه القرية وساكنيها، المتمادين في الظلم منذ سنوات، خاصةً وأنه قد حان الوقت المناسب لذلك.
وقبل أن تسرد ما بجعبتها؛ طلبت من ليث أن يجمع كل أهالي القرية أمام باب القصر لتكون المواجهة. وكان لها ما أرادت.

جمع غفير

وصل جمع غفير من أهل القرية؛ وليس لهم مفر، فالاعتراض ليس في صالحهم.
خرجت سيلا إلى شرفة القصر، ووقفت بشموخها الذي لم تتنازل عنه يوما؛ رغم ظلمهم وقهرهم لها، ثم قالت:
– انظروا إلي، انظروا إلي.. أمعنوا النظر في دمامة وجهي جيدا، كم أنا دميمة الخلقة!. لكن ليس بحجم قبح وقساوة وغل قلوبكم..
تابعت سيلا كلامها:
– أنا بنت قريتكم الشريفة العفيفة، والله شاهد وأنتم تعرفون. ويحكم! فليس هناك أكبر إفكا عند الله من القذف والظلم. إني ابنةُ الشرفاء، واسألوا قلوبكم لأني أطهر من الطهر. تذكروا ماضي أبي الجميل معكم. مَن أغدق عليكم بعطفه وحبه. وما صنتم شرفه؛ بل لطختموه وتكالبتم عليّ بظلمكم منذ سنوات خلت، وطردتموني من بيتي وقريتي، وأنا لاحول لي ولا قوة. كدتم لي، وتآمرتم عليّ بإبعادي في عز حاجتي إليكم، وأرسلتموني إلى أدغال موحشة، دون شفقة أو رحمة؛ لكن الله حفظني بحفظه، وأغناني به عنكم. وهو الملك الجبار المقتدر.

الملك الجبار

إنه يمهل ولا يهمل؛ فقد وجدت في مخلوقاته وأخطر حيوانات الغابة ما لم أجده في أصغر مخلوق منكم. والحمد الله الذي رعاني وحماني، وعوضني بحب لا تفقهه عقولكم المريضة. أنتم تعلمون أنه بإشارةٍ مني لن يبقى منكم أحد في هذه القرية. وقطيع واحد من الذئاب كاف ليلتهم أشجع رجالكم، وبمطاردة بعض الوحوش ستهيمون على وجوهكم تائهين هاربين خائفين.

فقط مُريني

كان ليث قد أخذ بندقيته، وقاطع سيلا والدم يغلي في عروقه:
– فقط مُريني يا سيلا، وسأشفي غليلك بطلقات رصاص تنهي كل من آذوكِ.
ثم قال:
– كيف تُسمّون أنفسكم رجالا، وكان الأجدر بكم أن تصونوا أمانة وشرف رجل صادق محب، كان من خيرة رجال القرية؟!.

كيف سوّلت لكم أنفسكم أن تقذفوا بفتاة دون حول لها ولا قوة، وترمونها رمية الكلاب بغابة موحشة؟!.
وازداد هيجانه وصراخه الذي جعل الجميع يُطأطئون رؤوسهم، حتى نطق أكبرهم وزعيم قريتهم:
– جل من لا يخطىء، نعم.. جميعنا مخطئون، وقد تمادينا كثيرا في ظلم سيلا، ولكم ما ترونه من قصاص؟!.
نظرت سيلا إلى الجميع نظرة حقد، وقالت:
– لن تنطفىء نار قلبي إلا بعد أن أرى عذابكم بأمِّ عيني، فاستعدوا جميعكم لما ينتظركم في هذا المساء.
ورغم أن الخوف يملأُ قلوبهم؛ إلا أنهم لم يجرؤوا على الكلام.
وأطلقت سيلا كلماتها، وشعر الجميع بأصوات مختلفة تتجه كأنها ريح صرصر، تحرك أشجار الغابة. وما كان من الجميع إلا أن فروا إلى بيوتهم. قرروا في قرارة أنفسهم الهروب؛ قبل أن تفترسهم وحوش الغابة كما تفترس طرائدها، بإشارة من سيلا.

كانت مؤمنة

ورغم الرعب الذي سيطر على الأجواء، إلا أن الحقد في قلبها لم يعد له وجود. وما بقلبها من تسامح وحب قد فاقَ أي شعورٍ آخر. فدخولها لتلك القلوب المظلمة لهدف في قلبها، لتحدث تغيرا في قلوبهم المريضة من غير تردد.
وكانت كلما تعمّقت داخل قلوبهم سمعت صدى الحقد الذي لم تفقه من أين لهم بهذا الكم الهائل من القسوة؟!.
كانت مؤمنة بأن التسامح والحب هما طريق النجاة الوحيد. وبعد تفرق الجمع من أمام باب القصر، والخزي والعار يندي جبينهم، اقترب ليث من أمه وهمس لها؛ الأمر الذي أثار حفيظة سيلا!.

المواجهة

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

FB IMG 1699035020623

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top