المقاهرة وقانون الغاب
بقلم: نشوة أحمد علي
ربما يكون لفظ المقاهرة جديدا على مسامعكم، لكنني لا أشك في أن الجميع يعلم معناه جيدا، وقد يكون ممن عانى منه كضحية أو جانٍ.
المقاهرة بديل لفظي لكلمة التنمر، التي تفشَّت مؤخرا في مجتماعاتنا واستشرت، بحيث لا يخلو اليوم بيت من واقعة ما تندرج تحت قائمة التنمر.
التنمر هو شكل من أشكال الإيذاء والإساءة من قِبَل شخص أو مجموعة تجاه شخص آخر أضعف أو مجموعة أقل، يتخذ طرقا مختلفة، كالتعدي اللفظي، البدني، أو التحرش الفعلي؛ لفظيا أو جسديا أو نفسيا، وغير ذلك، بغرض التهديد والتخويف..
الاستعداد الأخلاقي والنفسي لدى الشخص يتعاون مع الظروف البيئية المحيطة، فيفرز متنمرين؛ أغلبهم من الأطفال في سن المدارس، يليهم المراهقون، إضافة إلى الشباب، وليس الكبار بمعزل عن هذه الممارسات والمضايقات.
فمن يهبه الله القدرة الجسدية ربما يغتر بنفسه، ويتنمر على الضعيف؛ فيرضي غروره أو يعوض نقصا يستشعره عند معاملته لمن هو أقوى منه.
وصحيح البدن، المعافى الذي يستعرض بصحته على من منحهم الله بعض العيوب الخلقية، أو اختصهم بقدرات مختلفة، لا يراها إلا ذووا البصيرة.
وكذا الغني.. يغتر بما عنده من مال، ويجد فيه سندا يعميه، فيتنمر على الفقراء، ويحتقر مظهرهم ويزدريهم.
كأن البشر فرغوا من إصلاح عيوبهم وضمنوا كمالهم، فانطلقوا يفتشون في نقائص غيرهم، فيعرُّونها ويعيرونها جُلَّ اهتمامهم، غير عابئين بالآثار النفسية المدمرة التي تنغرس في نفوس فرائسهم، والتي قد تؤدي بالبعض إلى الوحدة، الانطواء، العزلة، الاكتئاب، القلق، فقدان الثقة بالنفس، وعدم القدرة على التعامل مع المحيطين، كما أن بعض الضحايا يدفعهم الضغط النفسي إلى الانتحار.
وإذا تتبَّعنا الدوافع التي تصنع متنمرا، نجد إما أهلا يسيئون معاملته، فالعنف المنزلي سبب رئيسي، أو عُقدا نتيجة تعرضهم للتنمر من قبل بعض زملائهم أو أقاربهم، أو نقصا يحاولون مداراته باستعراض قوتهم في بعض الأمور أو في غياب من هم أفضل منهم، وربما الغيرة والحسد، والكبر والنرجسية، وكذلك الاغترار بالبنية العضلية والسعة في الرزق، فضلا عن غياب القدوة والرقيب في أحايين كثيرة، ولا نغفل احتمالية المحاكاة وتقليد الأشخاص لبعضهم البعض، خاصة في الأماكن الأكثر عرضة للاحتكاك بينهم؛ كالمدارس، والحافلات، والنوادي، وأماكن الانتظار… وغير ذلك من الأسباب..
حتى أماكن العمل لا تخلو من ظاهرة التنمر، وإلحاق الضرر النفسي والمعنوي ببعض الموظفين، لذا يسمى أيضا بـ “الاغتيال الوظيفي” وكذلك يسمى بـ “المهاجمة”
وهناك تنمر الإنترنت أو التنمر الإلكتروني؛ إذ يعمد البعض إلى عمل مدونات لاستهداف ضحاياهم على مستوى العالم، وترهيبهم وتدميرهم.
والتنمر السياسي والعسكري، وكأن لكل بيئة نوعا يخصها من التنمر، وقانون الغاب يحكم، ما دامت الطبائع البشرية بلغت الدرجة القصوى من القسوة.
وللقضاء على هذه الظاهرة، يجب أن يبدأ كلٌّ بنفسه أو بمن يخصونه، سواء أكان معتديا أو فريسة، وكلاهما يعالج سلوكيا لتقويمه أو لإعادة تأهيله بالطرق العلمية، بتعاون مخطط متقن ودقيق ما بين الجهات المختصة والأسرة الحاضنة.
ومن دواعي التفاؤل.. اتجاه الدولة إلى سَنِّ بعض القوانين التي تفرض عقوبات مشددة بالحبس والغرامة على المتنمرين، وكذا تشريع قانون مكافحة التنمر في بعض الدول، للحدِّ من هذه الظاهرة وآثارها الجسيمة.
لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف
لمتابعة كل ما هو جديد من هنا
المقاهرة وقانون الغاب المقاهرة وقانون الغاب المقاهرة وقانون الغاب المقاهرة وقانون الغاب