كنت في السنوات الأولى من عمري؛ لا أدري 6 أو 7 سنوات،
كان ذلك منذ زمن بعيد، ومع ذلك أذكر ذلك اليوم، جيدا وكأنه حدث بالأمس أو ربما اليوم.
كانت جدتي؛ أم أمي رحمة الله عليها تبيت عندنا في تلك الليلة، وكانت تبيت معي وأختي الكبرى في حجرتنا، وكنت وقتها كما أنا الآن أكره الظلام الدامس، بل كان يخيفني.
تلك اللمبة الصغيرة التي كنا نطلق عليها (سهارة) ننام على ضوئها الخافت، ولا أدري لماذا لم يطلق عليها منومة أو هادئة أو أي اسم له علاقة بالنوم؛ ما دمنا ننام على ضوئها؟!
المهم أنها تعطلت ولم تعد تضيء، فطلبت من جدتي أن ننير نور حجرتنا العالي لأني أخشى النوم في الظلام، لكنها رفضت، وقالت أنها لن تستطيع النوم في نور قوي.
بكيت، ورآني أبي رحمه الله، فأخذني في حضنه، وهمس في أذني:
أنتِ طفلتي الشجاعة، فكيف تخشين الظلام؟!
همست له:
أخافه وبشدة، ولن أنام إلا إذا وجدت لي (سهارة) لأن جدتي لن تنير ضوء الحجرة.
ابتسم أبي الغالي، وعاد يهمس لي:
أعدك أني سأشتريها غدا، أما الآن.. فالوقت متأخر جدا، نامي وأنتِ تحدثين الله، وتدعينه كي يحفظك، ولن تشعري بالخوف ما دام معك، اطلبي منه كل ما تريدين، فالأطفال أحباب الله، وما دام الله يحبك لن يتركك أبدا، وسيحفظك..
تمتمت:
يا رب، إني خائفة، ولكني لا أريد أن أضايق جدتي، وأخشي أن تغضب مني ولا تأتي مرة أخرى، ولا تبيت عندنا، فأنا أحبها.. ساعدني كي أنام دون خوف.
ثم دعوت الله كثيرا أن يجعل أبي يجد تلك السهارة، ويأتينا بها لأهدأ وأنام.
انصرف أبي وأمي إلى حجرتهما، وأطفآ نور غرفتنا، وأغلقا بابها.
سمعت جدتي تذكر الله وتدعوه، ثم نامت سريعا وسبقتها أختي الكبرى إلى النوم، فوجدت نفسي خائفة وحدي في الظلام، أدعو الله وأتوسل إليه، وأبكي في صوت خافت خائف.
لم يطل الأمر، فلا أدري كيف أنني _رغم خوفي_ غفوت واستيقظت لأجد أن السهارة قد أضيئت، وكانت سعادتي لا توصف، وقد حسبت أن قلب أبي رق، ولم يستطع أن ينام قبل أن يجدها لي؛ لأهدأ وأنام.
بالفعل هدأت ونمت وأنا أشكر الله كثيرا
في الصباح.. جريت إلى أبي أشكره على ما فعله من أجلي، وتلك السهارة التي أضاءت حجرتنا، ففوجئت بتعجبه من كلامي، وقد أكد لي أنه لم يفعل هذا!
تعجب الجميع من إصراري على أني صادقة، وأني استيقظت فوجدت السهارة مضيئة، فظننت أن أبي هو من أحضرها لنا وهدأت ونمت.
هنا ابتسم أبي الحبيب رحمه الله، وقال لي:
ألم أقل لكِ أن الأطفال أحباب الله؟!
أجبته:
نعم يا أبي، ولقد دعوته كثيرا، ولكن كيف حدث هذا؟!
هنا قال لي أبي:
هل تشعرين بوجود الله؟
أجبت مسرعة:
نعم، نعم، بالتأكيد، وكيف لا أشعر به وقد شعر بي وجبر بخاطري وجعلني أنام دون خوف؟!
احتضنني أبي وقال لي:
لكِ قلب أخضر يراه الله، ويحبك، فكيف يتركك تخشين شيئا وهو معك؟!
يا ابنتي، ما دمتُ تشعرين بوجود الله وتؤمنين به، فلا تخشي شيئا، واطلبي من الله كل شيء، وأي شيء، والأفضل لو كان مستحيلا.
نعم إنه الله الواحد القهار، إنه القدير الجبار، جربوا أن تتحدثون معه، تدعونه تضرعا وخيفة، تسألونه كل ما تريدون.
بل جربوا أن تطلبوا منه المستحيلات، ولكن بيقين وإيمان وثقة في الله، وعندها حتما ستشعرون يقينا بوجود الله الرحمن الرحيم..