الأجازة السعيدة
بقلم: حسن عبد الرحمن
الحلقة الثالثة
من سلسلة يوميات سعيد شالبربش
الحلقة الثالثة
قررت زوج سعيد أن تخرج عما هو مألوف بيومها الروتيني في الطبخ والتفكير في البيت، وطبعا توبيخ خادمتها الصغيرة التي أتت من بلدتها، فهي بنت صغيرة قريبة لزوجة سعيد وقد أخذتها معها؛ منها تسليها ومنها تساعدها في أعمال المنزل حتى يأتيها ابن الحلال فيأخذها ويذهب..
الطقوس المقدسة
قفزت زوج سعيد إلى أذنيه مرة واحدة، وكان الرجل يجلس في الأنتريه، في الركن الخاص به؛ المكان الذي يعشقه بجنون، وإن بدل المكان لا يمكنه متابعة أي شيء ولا الحديث في أي موضوع، فهو بالنسبة له طقس من الطقوس المقدسة؛ إذا وجد أحدا يجلس مكانه يظل واقفا دون كلام، حتى يجلس في مكانه المقدس، ومن بعدها تسطيع أن تتحدث معه في أي شيء يحلو لك.
اقتربت منه تفيدة وهي تمد يدها بكيس من اللب بعد أن وضعته له في طبقه المفضل؛ الطبق المصنوع من الصيني، فهي عندما تضع له حبات اللب في هذا الطبق يطلق صوتا يقشعر له جسده وقلبه؛ صوت اللب وهو يصدر هو الآخر صوت حنون على أذنيه الكبيرتين.
هنا فقط
هنا، وهنا فقط، تسطيع تفيدة أن تطلب طلبها وهي تعرف أنه سوف يوافق على الفور.
نظر إليها سعيد بنصف عين، وهو يعرف أن لها طلبا، وهو ينتظر ليعرفه!
– ها.. ما تقولي عايزه إيه يا تفيدة؟ أصل أنا عارف حركة اللب دي وراها ايه؟!
= أنا؟! ولا حاجة يا سعيد أنا بس حاسة إني زهقانة كده يا خويا، ووو…
– وإيه يا تفيدة؟! شكلك طمعانة في يوم الجمعة اللي ما بصدق أنام فيه، مش كده؟
= يا سعيد، انت على طول نايم، ما تخلينيش أتكلم بقى.
– ما تتكلمي يا تفيدة، هتقولي إيه يعني؟!
مباحثات ومداولات
بعد محادثات ومباحثات ومداولات استمرت خمسة وأربعين دقيقة، وهي عمر الشوط الأول من مباراة الكرة الذي يعشقها سعيد، استطاعت تفيدة الانتصار على سعيد، وأقنعته بالخروج في يوم الكسل العالمي، والنوم أمام شاشة التلفزيون.
استطاعت أن تقنعه بأن يوافق على الخروج، ولكنها نسيت أن تقول له أين تريد أن تذهب! وعندما التفتت لتخبره عن المكان، وجدته غارقا في نومه ويمسك في يده كوب الشاي ويعلو شخيره في أرجاء المنزل.
كان كوب الشاي متدليا من يده، يكاد أن يقع على الأرض، التقطته تفيدة من يده بسرعة، ووضعته على المنضدة، وجلست بجواره تتابع آخر خمس دقائق من مباراة الكرة.
الرحلة
وفي الصباح، كانت تفيدة تحضر بعض الأشياء التي سوف تحتاجها في الرحلة؛ أشياء صغيره جدا، إذ جلبت حقيبة من حقائب الالسفر الخاصة بزوجها سعيد ووضعتها على المنضدة وفتحتها على مصراعيها، ودست فيها عشرون رغيفا من الفينو الكبير فئة الواحد جنيه.. كانت السندوتشات مختلفة ومتنوعة بين البسطرمة والجبن الأبيض والقشطة بالحلاوة التي يحبها سعيد وراء كل اكلة كتحلية.
الأجازة السعيدة
لم تكتفي بذلك بل وضعت برطمان من الخيار الصغير كانت قد صنعته خصيصاََ منذ أسبوع لتلك اللحظه التي تدبر لها منذ شهر.. وسرعان ما طلبت من ابنتهم الصغيرة أن تساعدها وتذهب إلى المطبخ لتجلب لها موقد صغير لصنع قهوة سعيد المفضلة بعد الطعام، وطبعاََ لا تنسي البن والفناجين وهي عائدة.
إرتطام
ودست أيضا داخل الشنطة الموز والبرتقال وثلاثة كيلوات من الفراولة لزوم التحلية بعد الغداء.. وقامت بدس أي شيء اعتقدت إنه سينفعها في تلك الرحلة.. وكان اخيراََ المشهد كالتالي..لاتعرف تفيدة كيف تغلق الحقيبة من هنا أم من هناك.. وطلبت من الخادمة الصغيرة أن تقف فوق كرسي المنضدة وتقفز على الحقيبة لعلها تدك حصونها وتغلقها.. وكانت المحاولة دون جدوى.. أفاق سعيد على صوت ارتطام الفتاة بالحقيبة وصرخات تفيدة ،نظر إليهم كنظرة المغشي عليه من النوم.. ووضع منشفته على كتفه ومضى في حاله إلى الحمام وكأنه لا يعرفهم من قبل.. واستمرت محاولات تفيدة والبنت حتى تمكنت من إغلاق الحقيبة ولكن الحقيبة كانت اخيراََ تشبه القنبلة الموقوته التي ستنفجر في أي وقت.
الأجازة السعيدة
جلست تفيدة في انتظار سعيد الذي طال انتظاره حوالي الساعة لأن سعيد له طقوس في الحمام لابد من فعلها كل يوم ولو السماء انطبقت على الأرض لا يخرج قبل ساعة بالتمام والكمال.
الخروج العظيم
وأخيراً خرج سعيد وجلس في مكانه، وكأن على رأسه الطير وأشار بيديه يريد كوب الشاي بالحليب المعتاد ومعه نصف كيلو من المقرمشات أو البقسماط..حينها صرخت فيه تفيدة بصوت أصم أذنيه..
= أنا شايفاك قاعد وزي ما يكون مش خارجين يعني؟.
= خارحين؟ رايحين فين يا تفيدة اصطبحي وقولي يا صبح النهاردة الجمعة يا تفيدة.
= الله؟ إيه يا سعيد إحنا مش إتفقنا إمبارح وإنت قاعد بتتفرج على الماتش؟.
= ماتش؟ اااه الماتش اللي ما عرفتش أتفرج عليه بسبب زنك طول ما الماتش شغال مش كده.
= قصدك اللي انت كنت نايم وانت بتتفرج عليه مش كده برضه؟
= ما تغييريش الموضوع.. ثم إحنا ما قلناش هنروح فين.. يبقى الاتفاق باطل.. بااااطل..
= بص يا عتريس قصدي يا سعيد.. أنا لو ما خرجتش النهارده هصورلك قتيل هنا، أنا تعبت ياراجل عايزة أتمشى كده وأخس وأبقى نعنوشة كده وحلوة..
= نعنوشة ؟ يعني أنتِ بعد الخروجة دي هتخسي؟ خلاص فكري كده هنروح فين.. وأنا معاكِ في أي نعنشة مادام هتخسي.
القلعة
جلست تفيدة لتعتصر ذهنها في المكان المناسب للخروج فهي تقريبًا لم تخرج منذ أن تزوجت من سعيد إلا مرات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة.. ولكنها تذكرت إنها تكلمت مع بنت خالتها منذ خمسة أيام عن القلعة وجمالها والهواء هناك وووو.. ثم صرخت فجأة في أذن سعيد الذي كان نائماََ تقريباََ وهو يستمع إلى حديث الشيخ الشعراوي قبل الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة.. قام سعيد من غفوته مذعوراََ ينظر إلى تفيدة بعين ملؤها الشر..
= أنا عرفت إحنا ممكن نخرج نروح فين.
= هو إحنا خارجين يا تفيدة؟
= الله هو جرى إيه يا سعيد هو إحنا اللي هنقوله هنعيده
= كنت بهزر معاك يا تفيدة..ها خير قررتي تروحي فين؟
= أنا كنت اتكلمت مع مفيدة بنت خالتي إحسان ما أنت عارفها..قالت لي إننا ممكن نروح القلعة وقعدت توصف في جمالها والهوا وكده.
= تمام تمام بنت خالتك قالت كده؟ بس بنت خالتك دي صغيرة ووزنهااااا
= تقصد إيه يا سعيد انت قصدك إني كبرت وما أقدرش أطلع القلعة؟ طب بالعند فيك هنروح يعني هنروح يالا يابت جهزي الشنط علشان نازلين..
الأيام الخوالي
تجري البنت مسرعة إلى حيث الحقيبة المكتظة بالطعام والشراب، وتضعها فوق رأسها وتطير فوق السلالم إلى الشارع أمام المنزل، ثم ينزل خلفها سعيد وتفيدة التي تتأبط ذراع سعيد لتعيد الأيام الخوالي، ولكن سعيد سرعان ما تخلص من يدها ووقف ينادي تاكسيا بالأجرة دون جدوى.
فكل سائق تاكسي يراهم يهرب منهم، شعرت تفيدة بأن سعيد سوف يلغي الرحلة، فاقترحت عليه أن يركبوت الأتوبيس، وبعد عناء كبير وافق سعيد على مضض.
رجل قروي
انحشر سعيد وتفيدة والبنت معهم داخل الأتوبيس ومعهم حقيبتهم الكبيرة، وبعد وقت طويل داخل الأتوبيس استطاعت تفيدة أن تجد مكانا بجانب رجل قروي، ولأن وزنها كبير فقد جلست على نصف الرجل تقريبا.
وثب الرجل من مكانه وهو يتمتم بكلمات نابية تسللت إلى أذن سعيد، الذي راح يكيل له اللكمات من هنا وهناك، وبادله الرجل لكمة أطاحت به إلى الخلف مصطدما بتفيدة الذي ضرب اللون الأحمر تحت عينيها وصرخت صرخات متتالية، حتى تدخل باقي ركاب الأوتوبيس، يضربون بعضهم بلا سبب، وكأن الناس ينتظرون الانفجار لأي حدث صغير، وكل من له مشكلة في حياته يضرب من بجانبه ضربا مبرحا، وانتهت المشاجرة إلى داخل قسم الشرطة.
أصل الحكاية
عندما دخل سعيد القسم، نظر إليه الضابط مطولا، ثم أردف:
– مين؟ سعيد شالبربش بنفسه هنا؟! يا مرحب، يا مرحب.
= أهلا سعادة الباشا.. أصل الحكاية إن مراتي….
– أصل الحكاية إن ما وراييش غيرك يا سعيد؛ كل يوم والتاني اصطبح بوشك الجميل ده؛ حتى يوم الجمعة.
= يا باشا، أهو وشي ما بقاش جميل زي ما انت شايف أهه.
– اخرس يا سعيد، بدل ما ارميك في الحجز، الله ومين اللي جنبك دي يا سعيد؟
= تفيدة، مراتي يا باشا، وده الراجل اللي بوظ عنيها اللي كانت جميلة ووو…
– وإيه يا سعيد، أنا قلت لك تخرس خالص.
خدوا الراجل ده ارموه في الحجز.
تعالي يا ست تفيدة، ممكن تحكي لى إيه اللي حصل؟
إفراج
بعد شرح ومداولات استمرت لعدة ساعات، تم الإفراج عن سعيد شالبربش وزوجته الكريمة تفيدة، وعلى باب قسم البوليس كانت البنت المسكينة تضع الحقيبة فوق رأسها وتقف خلف تفيدة، ثم أردفت تفيدة وهي تضع يدها على عينيها الحمراء، ثم قالت:
– عايزين نلحق يومنا يا سعيد؛ أحسن القلعة ممكن تقفل يا خويا.. هتوديني يا سعيد؟!
يقفز سعيد في الهواء وهو يشد شعره من الغيظ:
= يا هووووووه! أنا هوديكي المشرحة دلوقتي يا تفيدة!
لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف
لمتابعة كل ما هو جديد من هنا