أوتوستوب بقلم: حسن عبد الرحمن

أوتوستوب

أوتوستوب بقلم: حسن عبد الرحمن
أوتوستوب
أوتوستوب
لمح أنوار سيارة قادمة بتأنٍّ من جيب الظلام، أشار بأصبعه بطريقة “الأوتوستوب”، فتوقف السائق على الفور، وسرعان ما جلس بجانبه دون أن يتفوه بكلمة واحدة!
لكنه لاحظ أن السائق….
ترى.. ما الذي لاحظه ذلك الموظف فأثار حفيظته لهذه الدرجة؟! كل ذلك سنعرفه في قصة “الأوتوستوب”
_______
تأخر اليوم عن موعد خروجه من العمل، وقد أنهى من فوره مكالمة هاتفية مع زوجته؛ أخبرها أنه سوف يتأخر قليلا، ولكنها لم تهتم لتأخيره، ولكنها أكدت عليه بعض الطلبات التي سوف يأتي بها وهو عائد من العمل.
أغلق هاتفه ممتعضا، وهو ينظر إلى الأفق شارد الذهن، وقال في نفسه بصوت عال داخلي:
– تماااام.. تماااام
ثم دس الهاتف في سترته بعد أن ارتداها على عجلة من أمره، وخرج إلى الشارع باحثا عن سيارة تقله إلى منزله.
كان يرتدى سترته الفاخرة، ويمسك بين يديه حقيبة جلدية متوسطة الحجم.
اتجه إلى نهر الشارع مباشرة؛ فكانت شركته في مكان موحش بعض الشيء، وقلما تمر سيارة واحدة من هذا المكان، نظر إليها وهي قابعة في الظلام تخلو من الموظفين، فهو آخر موظف يخرج منها بسبب كثرة العمل.
لمح أنوار سيارة قادمة بتأنٍّ من جيب الظلام، أشار بأصبعه بطريقة “الأوتوستوب”، فتوقف السائق على الفور، وسرعان ما جلس بجانبه دون أن يتفوه بكلمة واحدة.
لكنه لاحظ أن السائق يرتدي ملابسه الداخلية فقط، بالرغم من الشتاء القارص في الخارج، ويضع بين شفتيه سيجارة من أردأ الأنواع التي يمكن أن تشتم رائحتها على الإطلاق، ولكن تنبعث منها رائحة أخرى لا يعرف مصدرها.
طلب منه أن يزيد من سرعته قليلا، فهو يقطع الطريق في تؤدة شديدة، ولكنه نظر إليه مطولا، ثم نظر إلى بدلته، وتفحص الحقيبة بعناية شديدة، ثم وجه له سؤالا مباشرا:
– هل تعمل في الشركة التي على الطريق؟! أهي شركة أم ماذا؟
أجابه بسرعة:
= نعم، هي شركة، أتقصد لأنها في مكان موحش، وليس حولها منازل أو شركات أخرى؟
أجابه بعد أن أخرج له علبة من العصير وناولها له، وألح عليه أن يشرب منها، وأكد له أنها منتج نظيف من إنتاج الشركة التي يعمل بها:
– نعم، نعم، أنا أمر من أمامها كل يوم، ولكنها تستوقفني كثيرا، وفضولي لا يمنعني من أن أعرف؛ ما هو نشاط هذه الشركة، ولماذا هي في مكان منعزل هكذا؟!
أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة إلا عندك، ها.. ماذا تقول؟
نظر إليه بعد أن تناول أول رشفة من العصير، وقال:
= ألهذا وقفت لي على الفور عندما أشرت إليك؟ وأنا الذي كنت أحسب أنك تود إيصالي في طريقك مع وجود هذا الظلام والشتاء القارص، رغم أنك تقريبا لا تشعر به لأنك تقود السيارة بملابسك الداخلية!
أجابه بعد أن نفث دخان سيجارته في وجهه، ومع ابتسامة خفيفة قال له:
– لا تشغل رأسك بأسئلة قد تؤلمها فيما بعد، وأنا أحتاج رأسك الجميل.
= رأسي أنا؟!
قالها وهو يضع كفيه فوق عنقه، ثم تحسس رأسه وقال له:
– إما أن تزيد من سرعتك، أو أنزل هنا في أي مكان.
ربت السائق على كتفه وقال:
= لا تخف، سأزيد من سرعتي، إلى أين ستذهب في هذا المكان الموحش، الذي يشبه شركتك التي تعمل بها؟!
ثم أخرج سيجارة أخرى ووضعها في فمه، ثم عزف بشفتيه لحن الموت.
لم يسرع بسيارته كما طلب منه مرارا، ولكنه استمر في عزف اللحن المزعج، وما زال ينفث دخان سيجارته في وجهه.
انتهى من شرب العصير ولم يثنِ على صناعته، ولكنه قال رأيه مباشرة في وجهه دون مواراة، ولعن صاحب المصنع لأن المنتج فعلا رديء جدا، بل قد يصيبك طعمه بالغثيان، حتى أن اسمه سخيف، وسأله:
– من اختار ذلك الاسم؟
قال بلهجة صارمة:
= اختارته زوج صاحب المصنع؛ على اسم والدتها.
ولكنه ضحك منه، وقال:
– لماذا؟ هل هو مولود جديد حتى تسميه على اسم والدتها؟
لم يفهم مزاحه معه، لكنه باغته بغباوة، وقال بلهجة جادة:
= نعم، هو مولود جديد لمنتجات المصنع..
بعدها أخرج رأسه من نافذة السيارة، يتوق إلى تنفس هواء نظيف، فالرائحة داخل السيارة تبعث على الغثيان.
توقف بالسيارة فجأة، في مكان مظلم أسفل صخرة كبيرة، وراح ينظر يمينا ويسارا، ثم شرع في قضاء حاجته.
انتهز فرصته الذهبية؛ الفرصة التي كان يفكر بها طوال الوقت منذ أن استقل معه السيارة، فتح حقيبته فجأة، وأخرج منها عدته التي يعمل بها في تلك الأجواء، وكانت عبارة عن مطرقة ضخمة، ضربه بها على رأسه من الخلف، فوقع من فوره مغشيا عليه، جذبه إلى صندوق سيارته النقل، وأخفاه وسط صناديق العصير التابعة للمصنع.
توجه مرة أخرى عائدا إلى شركته، ومعه الصيد الجديد؛ صيدٌ ثمين، فالرجل بصحة جيدة ضخم الجثة.
بعد أن أنهى وضعه داخل صندوق السيارة، توجه إليه بنبرة المنتصر، وقال:
– سأحقق لك فضولك الآن، أظنك عرفت ما هو نشاط الشركة التي أعمل بها، أما عن رأسي الجميل الذي كان يعجبك؛ فإن رأسك كان يعجبني أكثر، منذ أن استقليت معك سيارتك العرجاء، ولكني لم أبح لك.
ثم استدار بالسيارة عائدا إلى الشركة.

 

لقراءة المزيد من المقالات مجلة ريمونارف

لمتابعة كل ما هو جديد من هنا

أوتوستوب بقلم: حسن عبد الرحمن
أوتوستوب بقلم: حسن عبد الرحمن

يمونارف

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!
Scroll to Top